الأهرامات بعظمتها، وأبوالهول بشموخه، والنيل بخلوده، مشهد يتمنى المرء أن يثبت ناظريه عليه لأطول مدة ممكنة، خاصة من علٍ عندما تقترب الطائرة من الهبوط بمطار القاهرة الدولى، غير أن هذا الجمال الذى يجمع بين الطبيعة التى خلقها الله، وما تركه الفراعنة من إرث حضارى، سرعان ما يتبدد عندما تطأ قدماك أرض الجيزة التى تحظى بهرم خوفو أهم عجائب الدنيا السبع.
جولة قصيرة قد لا تستغرق ساعتين، فى مناطق الجيزة المدينة، وليس مراكزها أو قراها البعيدة، كفيلة بارجاعك من عالم الخيال إلى أرض الواقع المؤلم حيث تضرب الفوضى الشوارع، وتحاصر العشوائيات بقبحها العيون فى كل مكان، وتخرج المبانى المخالفة ألسنتها كشاهد على فساد لا يفنى ولا يخلق من عدم، وراءه ضمائر خربة ذات أذرع اخطبوطية كلما قطع إحداها خرج اثنان.
قبل أيام تحركت أجهزة حى الهرم مصحوبة بفرق تمثل جهات متعددة، لهدم أربعة مبانٍ لا نقول إنها خالفت اشتراطات البناء وحسب، بل وصلت بأصحابها الجرأة إلى زرعها عنوة على بعد خطوات من هرم خوفو، قدس أقداس الحضارة المصرية القديمة التى يأتى إليها السياح من جميع انحاء العالم ونضع صورته على عملتنا ووثائقنا القومية للتفاخر والتعبير عن الهوية الوطنية.
هذا التحرك بلا شك لابد أن نحيى من كانوا على رأسه وانتهاء بأصغر عامل حمل معولا لهدم الفساد، غير أن التحية إلى هؤلاء الرجال المحترمين، يجب أن تكون مقرونة بمحاسبة المسئولين، سواء كانوا سابقين أو حاليين، ممن سمحوا بإقامة أربع عمارات فى حرم المنطقة الأثرية، يستغرق بناؤها عدة أشهر إن لم يكن عاما كاملا على أقل تقدير!!
هذه المبانى الأربعة ليست المنشآت المخالفة الوحيدة فى محافظة الجيزة، خاصة حى الهرم الذى يعج بالمئات إن لم يكن الألوف منها، غير أن تحرك الأجهزة عادة لا يكون إلا عند الكوارث، أو يتجاوز الأمر حد «الفجور»، أو الاستهانة بقبضة الدولة حيث لا يمكن السكوت.
على سبيل المثال من سمح بارتفاعات عدد من المبانى المجاورة لمحور صفط اللبن إلى الحد الذى يشكل تهديدا لقاطنى وحداتها، أو لمستخدمى الطريق نفسه؟، مع العلم أن بعض هذه المبانى تكاد تلامس منحنيات الطريق، ولا تزال بالطوب الأحمر ولم يجف بعد الأسمنت الذى بنيت به.
هذا الطريق الذى باتت تستخدمه شركات السياحة فى نقل الاجانب الذين بدأوا التوافد إلى مصر، يعد أسوأ دعاية يمكن أن نقدمها عن بلدنا لزوار جاءوا من انحاء العالم، حيث يقف محور صفط اللبن خير شاهد على التخطيط العمرانى الأسوأ الذى يمكن أن يصادفك فى بناء المدن وشق الطرق وإقامة الكبارى ومد الجسور.
وإذا انتقلنا غربا وأمام المتحف المصرى الكبير، يمكن لأصغر عامل وليس مهندسا ملاحظة الآفة الكبرى التى تعترى الطريق الذى جرى رصفه قبل أشهر قليلة، بعد أن تحولت أغطية البالوعات المرتفعة عن مستوى الرصف، إلى مصائد للسيارت المسرعة، التى قد تتسبب فى عشرات الحوادث اليومية.
غير بعيد وبالقرب من الأهرامات الثلاثة، حيث يتجاور عدد من الفنادق الشهيرة، يقع ميدان الرماية، وهو نموذج للفوضى المرورية، وخاصة مساء كل خميس، وأتحدى أن يتمكن السيد مدير مرور الجيزة أن يخترقه لو ذهب بسيارته الخاصة ومن دون تشريفة تسبق موكبه، وهو المشهد نفسه الذى يعانى منه شارعا الهرم وفيصل.
وعلى طريق الفيوم قرب البوابة الجديدة لدخول المنطقة الأثرية، تقع حدائق الأهرام التى يصرخ قاطنوها ليل نهار من الإهمال والفوضى، وغياب الأمن، وهذا هو الأهم، بعد أن تركتهم الدولة لجشع حفنة من المقاولين الذين حولوها إلى كتلة مخالفات لا تسر الناظرين، فهل يتحرك رئيس حى الهرم الجديد، أم ستبقى الحال كما هى عليه؟!
مشاكل الجيزة لا تنتهى، وسكانها يعانون يوميا غياب الخدمات على مختلف أنواعها، ووصل الاحباط، بل واليأس إلى البعض منهم فى حدوث أى تغيير، فهل للسادة المسئولين رأى آخر؟!