أبناء تاتشر فى الإخوان وفى الإنقاذ - وائل جمال - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 10:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبناء تاتشر فى الإخوان وفى الإنقاذ

نشر فى : الإثنين 22 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 أبريل 2013 - 8:00 ص

الزومبى (الميت الحى كما نراه فى مئات أفلام الرعب الهوليودية) هو جثة متحركة أحيتها أعمال السحرة. فوفقا لمعتقدات الفودو فى غرب أفريقيا فإن الشخص الميت يمكن إبقاؤه حيا عن طريق بوكو (ساحر)، ويصبح تحت سيطرة البوكو لدرجة أنه لا تصبح له إرادة مستقلة.

 

●●●

 

ماتت تاتشر لكن المشروع السياسى الاجتماعى الاقتصادى الذى يحمل اسمها بفعل قيادتها الأسطورية الدموية لفرضه فى بريطانيا، مازال معنا كالميت الحى. وفى مصر، تزاوجت ذروة التاتشرية مع مشروع توريث الحكم من حسنى مبارك لابنه فغيرت العشر سنوات الأخيرة من حكمه طبيعة التحالف الحاكم ونمط المصالح الذى يمثله الحكم لصالح نخبة جديدة من رجال الأعمال والحزب زاحمت قاعدة التأييد السياسية فى البيروقراطية والجيش، التى طالما استند عليها الأب.

 

عادة ما تعرف التاتشرية بأنها التدشين الأول للسياسات الليبرالية الجديدة، كما تسمى أحيانا أخرى الريجانية وأحيانا ثالثة بسياسات إجماع واشنطن. لكن كل هذا يعنى شيئا واحدا: «حقيبة الطوارئ المحملة بأفكار مؤسسة على الفهم الأصولى للأسواق على أنها تصحح نفسها بنفسها، وتخصص موارد المجتمع بكفاءة وتخدم الصالح العام بأفضل طريقة». (بحسب وصف الاقتصادى الأمريكى البارز جوزيف ستيجليتز الحائز على نوبل والذى كان نائبا لرئيس البنك الدولى فى مقال له فى يوليو 2008 تحت عنوان: «نهاية الليبرالية الجديدة؟»).  تشمل هذه السياسات دائما ترويجا عالميا للخصخصة وتحرير الأسواق وانسحابا للدولة من الاقتصاد وتسييدا للانضباط المالى على حساب مستويات المعيشة فى انتظار أن يرفع المد الذى يتوجه لقمر مجتمع الأعمال والشركات الكبرى مراكب الفقراء فى وقت ما لاحقا.

 

وكما كان الأمر فى العالم كله. لم يكن هذا التحول مجرد مسألة قرار فنى اقتصادى، بل كان مشروعا سياسيا بامتياز، أعاد توزيع الثروة لحساب الأغنياء، ومد أذرع سيطرة الشركات المحلية والعالمية لمساحات كانت الحركة النقابية والمجتمع المدنى والمهمشون قد انتزعوها فى عصور دولة الرفاه أو رأسمالية الدولة الراعية التى سبقته. وفى مصر رأينا كيف حوَّل مشروع الاصلاح الاقتصادى فى ذروته على يد نظيف الثروة العامة لقلة من الشركات والبنوك والمؤسسات المالية الكبرى والمحتكرين فى التجارة والإنتاج لكى تكون قادرة على إنجاز تراكم رأسمالى يمكنها من المنافسة الدولية، ولكن على حساب ملايين المصريين. ورأينا كيف حرك تحالف المصالح الجديد بعد أن رمى مرساه فى بحر السيطرة الاقتصادية تغييرا جذريا فى حزب مبارك الحاكم، ثم فى حكومته، ثم فى مجلس شعبه، مما ولَّد مقاومة اجتماعية وسياسية متصاعدة منذ 2004. ثم أسقطت ذروة هذه المقاومة الشريحة العليا من ممثلى النظام السياسيين فى ثورة يناير ومعها مشروع الحكم السياسى الذى كانت تدفع وراءه: توريث الحكم لجمال مبارك. لكنها فقط هزت تركيبات المصالح وتحالف الحكم الذى كان وراءه وبقى كالميت الحى قابعا يبحث عن ممثلين سياسيين جدد.

 

 فلننفض غبار السياسة عن المصالح

 

منذ اللحظة الأولى لثورة يناير، كان هناك توافق بلا إتفاق على تجاهل طبيعتها الاجتماعية كثورة على المشروع الاقتصادى الاجتماعى لنظام مبارك. وبينما مر مرسوم يحظر الإضراب العمالى ويحول المضربين للمحاكم العسكرية بدون ضجة كبيرة من قيادات العمل السياسى جرفونا جميعا لكى تصبح الثورة ومستقبلها متوقفين على هذه المادة أو تلك فى الدستور أو ترتيب العملية الإنتقالية أو شروط الترشح للرئاسة.. إلخ. وعندما تم اكتشاف المأزق الاقتصادى متأخرا جدا بعد أن ضاق الحال أكثر بقاعدة صناع الثورة فى الشوارع وأماكن العمل فخرجوا يقطعون الطرق ويحتجون مطالبين بالأجور ومقاومة الفساد والاحتكار (معدل الاحتجاج الاجتماعى فى 2012 قفز لخمس أضعاف متوسطه فى سنوات قبل الثورة)، فاجأونا جميعا بالتوافق الغائب: كلهم تاتشريون. (دائما كانت تظهر أزمة الاقتصاد كورقة سياسية للضغط على احتجاجات الشارع وكفى).

 

فى تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى تويتر مساء السبت الماضى يقول د. محمد البرادعى ما نصه :» صندوق النقد لا يفرض «شروطا». ما يطلبه ومعه المستثمرون بل والمصريون أنفسهم سياسات اقتصادية متكاملة وتوافق مجتمعى. الكرة فى ملعب النظام». وفى الأول من الشهر الحالى، اعتبر السيد عمرو موسى، قيادة أخرى فى معسكر «المدنيين» أنه من الضرورى أن تبدأ الحكومة فى وضع خطة تقشف اقتصادى «كحل أمثل لمواجهة الأزمة الاقتصادية» وأن ذلك سيكون مؤشرا لجدية التعامل مع الأزمة الاقتصادية». ولا يختلف موقف حزب الوفد كثيرا عن ذلك، وهو دعامة ثالثة فى جبهة الإنقاذ المعارضة.

 

ويقول بيان بعثة صندوق النقد الدولى، التى غادرت مصر الأسبوع الماضى بعد أن التقت قيادات المعارضة  «المدنية» ما نصه: «ولقد تشجعت البعثة بالمواقف والآراء البناءة المقدمة من ممثلى الأحزاب السياسية بخصوص الإصلاحات الاقتصادية والدعم المرتقب من الصندوق، وأقرت جميع الأطراف بضرورة حماية الفئات الفقيرة والتى قد تتضرر عند تطبيق إجراءات الإصلاح».

 

أما الإصلاح الذى يتحدث عنه الصندوق وعن التوافق بشأنه (بشرط حماية الفقراء) والذى أوقف اتفاقا أوليا وقع فى ديسمبر لأنه تم التراجع عن بعض إجراءاته، (يقال لنا إن القرض بلا شروط)، فهو نسخة مما كان يسعى يوسف بطرس غالى لعمله على مدى سنواته فى الوزارة: تخفيض عجز الموازنة على حساب أى شيء وكل شيء وعلى رأسه الإنفاق العام على الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، سياسات ضريبية توسع قاعدة الدافعين الفقراء وتغفل المضاربين ورجال الأعمال.. الخ. فى مسألة الثورة الأولى: العدالة الاجتماعية يظهر لنا اصطفاف جديد يتجاوز الانقسام المدنى - الديني: أبناء تاتشر من العلمانيين والإسلاميين فى المعارضة والحكم فى مواجهة طموحات ملايين المصريين فى نظام عادل وكفء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

 

 قاعدة مصالح أبناء تاتشر

 

فى 2005، كنت أعد تقريرا لبى بى سى العربية عن الصعود السياسى لرجال الأعمال فى مصر، وتوجهت بالسؤال لرجل الأعمال صلاح دياب الذى كان عضوا قياديا وقتها فى حزب الوفد عن وجوده فى حزب معارض مقابل من انضموا للحزب الوطنى. وكان رده صريحا بطريقة مدهشة: لابد وأن نوزع أنفسنا على أحزاب مختلفة لكى نضمن المستقبل. ويبدو أن نفس الحال يصدق أيضا فى تلك الأحزاب والقيادات السياسية التى تبحث عن موطئ قدم فى قاعدة المصالح تلك عوضا عن تمثيل الأغلبية فى مواجهتها. لكن ما هو وضع قاعدة المصالح تلك بعد سنتين من الثورة؟

 

لا شك أنه كانت هناك ضربة موجعة للمستفيدين من التاتشرية المصرية. بعضهم فى السجن، وبعضهم فر خارج مصر وبعضهم هرَّب المليارات أو حول أعماله. ومشروعهم السياسى للسلطة منى بهزيمة مدوية. لكن الحقيقة تقول إنهم مازالوا يمسكون بزمام الاقتصاد ومنه إلى السياسة: مازالوا طرفا أصيلا فى حكم البلد يتنافس على وده الطامحون لكراسى السياسة.

 

نجح هؤلاء على مدى السنتين الماضيتين فى إيقاف كل الإجراءات (التى تستحق وصف الإصلاح) التى تعيد بعض التوازن العادل اجتماعيا فيما يتعلق بالأجور وساعات العمل وشروط العمل والضرائب وغيرها. نجح هؤلاء فى صيانة البورصة من أية ضرائب منطقية وإيقاف ضريبة الأرباح الرأسمالية مرة بعد مرة حتى بعد أن تصدر، بينما تصرخ بإجراءات تقشف حكومى. نجح هؤلاء فى أن تكون الحقائب الوزارية الاقتصادية فى حكومة الرئيس مرسى من الموالين بل إن أحد الوزراء كان موظفا فى شركاتهم ومتهما بممارسات احتكارية قبل تقلده مقعد الوزارة. نجحت دوائر المصالح التى نمت فى عهد جمال مبارك أيضا فى الإبقاء على المناصب الأساسية فى اتحادات الأعمال وفى البنوك الكبرى تحت أيديهم. بل نجدهم بشخوصهم فى اللجان الاقتصادية بأحزاب المعارضة المدنية. كما نجح هؤلاء فى إيقاف إجراءات مكافحة الفساد وفرض سياسات تصالح تعفيهم من جرم نهب ثروة الشعب ومخالفة القانون مقابل رد مال قليل للخزانة العامة. نجحوا أيضا فى حماية احتكارات الإنتاج والتجارة الخارجية والمحلية. أما الموازنة الجديدة، التى أشرف على إعدادها مسئولون من اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة، ففيها نرى تراجعا للاستثمارات العامة الحقيقية يخفض معدل الاستثمار ل 14% وضرائب على الفقراء قبل الأغنياء، بل نرى فيها عائدا متوقعا لعمليات خصخصة يصل لنصف مليار جنيه، بعد أن أبلغنا د. محمد جودة المتحدث باسم اللجنة أنه سيتم استئناف الخصخصة لعلاج عجز الموازنة.

 

بل إنه على الرغم ممن صدعوا أدمغتنا بخسائر البورصة وخسائر الاقتصاد، فإن نظرة على أداء القطاعات الأساسية فى التراكم الرأسمالى فى عصر صعود جمال مبارك تخبرنا بأن ماكينة الأرباح تدور براحتها باستثناء بعض الشركات المتورطة فى قضايا منظورة أمام القضاء. فلننظر فقط لقطاعات البنوك والاتصالات والحديد والألبان. ويقدر بنك الاستثمار إى اف جى هيرميس فى توقعاته لنتائج الشركات المسجلة فى البورصة فى الربع الأول من 2013 نموا فى الأرباح (مقارنة بالربع السابق) بمتوسط  62.7% بقيادة الشركات الصناعية (58.1% نمو فى الأرباح) والاتصالات (134%). أما النمو مقارنة بالسنة السابقة فالمتوسط هو تراجع 16% لكننا نرى –وفقا لتوقعات هيرميس ــ نموا 22% فى أرباح شركات مواد البناء والمقاولات و16.2% فى شركات المواد الغذائية (منها جهينة )، و20% نموا فى أرباح الشركات الاستهلاكية (غبور والنساجون الشرقيون) و9.4% للبنوك.

 

لهؤلاء يسعى ويعمل أبناء تاتشر فى الإخوان وفى أغلب المعارضة المدنية.

 

●●●

 

يعدد جوزيف ستجليتز فى مقاله أوجه الفشل العالمى لليبرالية الجديدة وأبناء تاتشر: عدم المساواة والانحياز للأغنياء، فشل فى تخصيص كفء الموارد الاقتصادية، لم تحم سياسات السوق العالم من ارتفاعات هائلة فى أسعار الطاقة والغذاء بل ربما كانت سببا فيها أصلا ثم إيقاع العالم فى أعمق أزماته الاقتصادية منذ الثلاثينيات، رافضا ما يقول إنه محاولة أنصار أصولية الأسواق لتحميل الحكومات المسئولية عن الفشل بدلا من سياساتهم الفاشلة. «كانت أصولية السوق النيوليبرالية دائما مذهبا سياسيا يخدم مصالح معينة. لم تدعمها أبدا النظرية الاقتصادية، ولا التجربة التاريخية كما يتضح لنا الآن». طوبى لمن يحاربون «بوكو» المصالح لإسقاط «زومبى» تاتشر فى مصر.

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات