رغم رحيله منذ 48 عاما، لايزال سيد قطب يحكم نصف مملكة الإخوان بأفكاره المتطرفة التى تصم المجتمع المصرى بأنه يعيش حياة الجاهلية قبل ظهور الإسلام، أما نصفها الثانى فيحكمها « ولاد مبارك » من قيادات الإخوان الذين تربوا سياسيا فى عهد المخلوع، وساندوا شرعية نظامه فى انتخابات البرلمان بصفقات مع الأمن، مقابل غض طرف الدولة عن مشارعهم التجارية، وإعطائهم قدرا من حرية العمل السياسى.
وقد كان د. محمد بديع مرشد الإخوان الحالى، هو النموذج النقى لهذا التناقض ــ غير الإخلاقى ــ الذى وقع فى وحله التنظيم كله، فالرجل الذى يعتبر نفسه تلميذا وفيا لسيد قطب، قال فى لقاء تليفزيونى مع المذيعة منى الشاذلى فى ابريل عام 2010 ــ يمكن مشاهدته على اليوتيوب ــ أن مبارك هو أب لكل المصريين، كما قال فى لقاء غير مؤرخ مع حسين عبد الغنى فى قناة الجزيرة ــ موجود على اليوتيوب ــ إنه وكل الإخوان لا يعارضون رئاسة جمال مبارك لمصر، نفس المرشد قال فى لقاءات صحفية قبل ثورة يناير بعدة أشهر إن مبارك هو أب كل المصريين، وأنه يدعم ترشحه !
وحتى فى جمعة «قندهار» بميدان التحرير فى يوليو 2011، كان الاخوان ومعهم حلفاؤهم من بعض الفرق السلفية، يهتفون للمشير طنطاوى « يا مشير يا مشير..م النهاردة انت الأمير »، فى محاولة منهم لإقامة دولة اسلامية وان يكون المشير حسين طنطاوى اميرا للمؤمنين، وهو المنصب الذى يعرف الجميع،وأولهم هؤلاء الهتيفة، أن طنطاوى لا يصلح له، وهو نفسه لم يفكر فى تقلده أبدا، لكن الإخوان ساعتها راهنوا عليه ليضربوا الليبراليين والناصريين واليساريين !
لا أريد أن أقول بأن من يضع قطب ومبارك وطنطاوى فى سلة واحدة، يمارس انتهازية سياسية فى أحط معانيها وصورها، لكن هذا ما حدث مع إخوان هذا الزمان بالصوت والصورة، فهل فعلوا ذلك اقتداء بأفكار «التقية» التى لها مكانة معتبرة فى الاجتهادات الشيعية؟.. هل الأمر كان مجرد مناورة فى سبيل استكمال مخطط «التمكين» الذى بدأوه بالسيطرة على الاتحادات الطلابية والنقابات ثم على الدولة نفسها لمدة عام كامل، حتى أسقطهم الشعب فى 30 يونيو الماضى؟
أيا كانت دوافع الإخوان لارتكابهم هذه الرذائل السياسية، فإن ما يقومون به الآن من أعمال إرهابية ــ هددنا بها قياداتهم قبيل فض اعتصام رابعة ــ سيبقى خطيئتهم القاتلة، فاغتيال ضباط الجيش والشرطة، وتفجير مديريات الأمن، لن ينجح فى تحقيق اى أهداف سياسية تقرب الإخوان من العودة للسلطة، بدون أن تستند إلى ظهير شعبى يوفر لها إمكانيات لوجستية، أو حتى ينظم لها ولو بمظاهرة تأييد خجولة فى أى شارع مظلم، وهو أمر تدركه قيادات الإخوان جيدا، لكنهم يؤيدون هذه العمليات لتحسين شروط التفاوض مع السلطة القادمة فى مصر، وللإبقاء على علاقات الود مع دوائر صهيونية غربية اتفقت مع الإخوان على خطط لم تعد سرية لتبادل أراض مع اسرائيل، فى إطار مشروع إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية فى المنطقة، بما يسمح بقيام دولة «اسرائيل اليهودية»، وإقامة دولة فلسطينية فى غزة ومناطق بسيناء تمتد حتى العريش، مقابل تعويض مصر بأراض فى صحراء النقب تمتد للحدود الأردنية، وهو المشروع الذى تتبناه اسرائيل وأعلنته صراحة منذ عدة سنوات!
قد لا يكون أمام السلطة القادمة فى مصر مفر من المواجهات العسكرية مع متطرفى الإخوان، وقد تستمر فى استخدام عصا الأمن الغليظة ضدهم، ولكنها بالتأكيد مطالبة بأن تفتح روافد سياسية لعشرات الآلاف من أعضاء الجماعة أو المتعاطفين معها من الرافضين لخطط قياداتهم أو من المخدوعين فيهم، ليعبروا فيها عن أفكارهم أو حتى غضبهم، وتشجيعهم على إعادة قراءة تاريخ تنظيمهم بشكل نقدى، حتى لا يتحولوا لضحايا أبرياء لأكاذيب قادتهم وانتهازيتهم، ووقودا لحربهم المجنونة ضد الدولة و المجتمع!