وكأنه نمر من ورق، سيبدأ رئيسنا القادم مهام عمله وهو يحارب طواحين الهواء، فالرجل ــ حتى الآن ــ لا يدرى ما هى حدود صلاحياته الدستورية والسياسية بالضبط، ولا طبيعة علاقته بالبرلمان أو الحكومة أو الجيش.
فالإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى مارس العام الماضى، لم يحدد هوية النظام السياسى الذى يقع على قمته رئيسنا القادم، هل هو نظام برلمانى أم رئاسى، أم مختلط، كما لم يحدد الإعلان طبيعة الدور الذى يلعبه الجيش وعلاقته ببقية مؤسسات الدولة، فى نفس الوقت الذى تسابق العديد من الأحزاب الزمن، للاتفاق على إعلان دستورى مكمل لإصداره قبل انتخاب الرئيس، تردد أنه يستهدف حفظ التوازن بين صلاحيات البرلمان والرئيس، بأن يعطى للبرلمان حق تشكيل الحكومة، ويعطى للرئيس حق حل البرلمان.
وعلى ما يبدو، فإن هذا الإعلان المكمل يواجه ولادة متعسرة، فالإخوان المسلمون يرفضونه من حيث المبدأ، لأنه فى حالة سقوط مرشحهم للرئاسة، فقد يأتى رئيس يدخل معهم فى صراع محتدم ينتهى بإصداره قرارا بحل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة قد لا يحققون فيها نفس النتائج السابقة، بعد انخفاض شعبيتهم بسبب أدائهم الباهت فى البرلمان، فى نفس الوقت الذى تلح فيه العديد من القوى والأحزاب السياسية على ضرورة إصدار هذا الإعلان المكمل، لأسباب عديدة على رأسها بالقطع الوقوف ضد رغبة الإخوان فى السيطرة الكاملة على كل مفاصل السلطة.
قد تحسم الساعات القادمة نتيجة الصراع بين الطرفين، ولكن أيا كان الأمر ــ سواء بصدور الاعلان المكمل أو عدم صدوره ــ فإننا على أعتاب شرخ جديد فى العلاقة بين قوى الثورة، سيؤدى بالقطع إلى إضعافهما سويا لحساب الفلول والثورة المضادة، التى تكتسب أرضا جديدة كل يوم، بما يهدد بإعادة دولة مبارك فى ثوب جديد!
وربما يكون الحل الوحيد لمواجهة هذه الهزائم التى تتكبدها ثورة يناير، هو أن يتوقف الإخوان عن سعيهم لتحقيق اهدافهم الحزبية الضيقة، وأن يتواصلوا مع بقية القوى السياسية للاتفاق على برنامج إنقاذ وطنى يستند إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، بدلا من أن يلعبوا على مشاعر البسطاء بشعارات دينية تسىء لجوهر الدين نفسه، من عينة أنهم يعيدون الفتح الإسلامى الثانى لمصر بعد الفتح الأول الذى قام به عمرو بن العاص، وأيضا بدون شراء أصوات فقراءالناخبين بأكياس الأرز والمكرونة وزجاجات الزيت!
نحن الآن بحاجة ماسة إلى «هدنة أيديولوجية» لأربع أو خمس سنوات قادمة، نعيد خلالها ترتيب أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية والثقافية المقلوبة.. وبعدها يكون لكل حادث حديث!