لم أكن أنوى كتابة مقال ثالث عن دراما رمضان، خاصة أن فى الجعبة مقالات عن افلام أرى أنها تستحق أن نتعرف عليها، لكن امام عبارة «أحبك» نقبل الاستثناء
المفاجئ. يقولون فى قصص الحب حول البوح، سواء الشفاهى أو بالكتابة إن عاشقا حاول البحث عن كلمة للتعبير عن مشاعره تجاه حبيبته، فاحتار مع المعانى والكلمات البديلة حتى يكون متفردا، اشتدت حيرته، وبعد العناء اضطر ان أباح لها بكل أحاسيسه فى عبارة واحدة فيها الفعل والفعل والمفعول به: «أحبك».. بدا أنه قال كل شىء، كل الكلمات تتوارى أمام هذا التعبير، حاول أن تقلد العاشق، قل لها: أعشقك.. أنت واحشانى، ايه الحلاوة دى يابنت، وغيرها، كلها سوف تفقد مذاقها أمام «أحبك» شرط أن تكون صادقا.
المؤلفون فى كل زمان ومكان وفى جميع ألوان الكتابة يعرفون جيدا هذه المعضلة البسيطة ذات السهل الممتنع، وينطقونها فى أحسن حالاتها، يرددها العشاق فى القصص والحياة فى الوقت المناسب، ومن أجلها اقيمت الامبراطوريات والتواريخ سقطت أمم مثلما حدث فى حرب طروادة، وكتب شكسبير أفضل ما لديه فى «روميو وجولييت» و«ترويض النمرة» وعاش الناس مع مأساة «غادة الكاميليا» و«غراميات كارمن» الغجرية.
وفى زمن المط الدرامى التلفزيونى، باعتبار أن كل مسلسل من الأعمال العديدة التى شاهدناها هذا العام، فإننا فى كل مسلسل نشاهد ما لا يقل عن ثلاث قصص حب طازجة متشابكة، يعبر فيها العشاق عن الهيام الذى يستبد بهم، كلهم فى حالات عشق مهما كانت أعمارهم، بدءا من الشخصيات التى جسدها بيومى فؤاد فى «كلام ستات» و«خيانة عهد» إلى العاشق الصغير فى مسلسل «حب عمرى».
لا توجد قصة حب واحدة فقط بل كل مشهيات قصص الحب العفيف أو العذرى ابتداء من الاعتراف إلى الهجران والغيرة، الزواج والطلاق، والتسامح والجريمة، والطموح والانتقام، حيث تتبلور جميع المشاعر الإنسانية للعاشق الذى يطمح ان يبوح بها ولا يكتم قولها: «أحبك».
هذه العبارة هى باب نجاح جميع المسلسلات هذا العام، وسط الظروف النفسية والحياتية التى يعيشها الناس، إنها هنا تعيدهم إلى فترة قريبة جدا ما قبل الحظر، حيث كانت تقال فى الواقع بطبيعية، وتلقائية، وفى التمثيل فإن الممثلة أو الممثل الأفضل هو من يرددها فيصدقها الناس، والغريب أننا بالتقريب صدقنا كل من قالها، فالنساء غالبا عشقن بإخلاص، بينما كان بعض الرجال اقل صدقا.
حسب النوستالجيا فإن أفضل من كان يحيكها لأبطاله هو اسامة أنور عكاشة فى مسلسلات عديدة منها «ليالى الحلمية» و«الحب وأشياء اخريى» وكان يصبغها بكبرياء ملحوظ ويجعل ابطاله يختارون الوقت الانسب للبوح بها.
كان عادل إمام أكبر هؤلاء العشاق سنا، فى مسلسل «فالنتينو» رجل يمتلك كل شىء المال والمكانة والاسرة والجاذبية، وزوجة جادة وقورة يقع فى حب فتاة لها اسم يشبه اسمه، من طبقة اجتماعية مختلفة، سرعان ما يقعان فى الحب، ويتزوجان، ويشترى لها فيلا فخمة إلى جوار مسكن الزوجة الأولى أم الابناء، وعلى المستوى الشخصى فأنا أرى أن داليا البحيرى ممثلة كوميدية بعد مسلسل «امرأة مفروسة» وهى هنا تجسد امرأة عاشقة من بيئة شعبية، وتقمصت الدور، وأقنعتنى وتابعتها باهتمام، انه الحب يا سادة ليس له منطق.
تعالوا ننظر إلى مسلسل «ونحب تانى ليه» بطولة ياسمين عبدالعزيز وشريف منير الذى يوحى بموضوعه من العنوان، أن طرفين سوف يقع كل منهما فى الحب بعد الانفصال، الظروف الاجتماعية التى يعيش فيها الابطال هى ما نسميه بمشاكل الرفاهية عبدالله مخرج اعلانات يقيم مع زوجته غالية فى مبنى فخم بمنتجع، ولديهما طفلة فى السابعة من العمر، ينفصلان بسبب لا يكون فى العادة سبب لطلاق، هو يتطور فى عمله، وهى تمارس الديكور السينمائى، تتعرف بعد الطلاق على شاب ميسور جدا ابن لرجل اعمال كبير هو السويفى، يمتلك العديد من المشاريع، هو جذاب، تحبه النساء، لكنه لا يبادلهم المشاعر، بل يقع فى حب غالية، وفى المسلسل هناك عشرات الاعترافات بمشاعر الحب يرددها الابطال لبعضهم، وهناك أكثر من قصة حب تتجدد بين عشاق قدامى انفصلوا عمن يحبونهم وعادوا مرة أخرى إلى من كانوا فى حياتهم سواء تحت اغراء المال أو الحنين، كما يتجدد الحب بين عبدالله وغالية التى تكاد تتم خطبتها من مراد، حين يتعرض الزوج السابق لحادث سيارة تودى به إلى غرف الانعاش فى المستشفى، وفى هذا المسلسل تردد يسرا لحبيبها مراد الذى كان خطيبا لها، كما أن والدها هو الصديق الشريك للأب، فى زيارة له فى داره عبارة: «أنا لسه باحبك»، أكثر من مرة، وهو ايضا يقول لخطيبته ان يسرا رددت له العيارة، هى مشاعر عاطفية متداخلة، يبدو منها أن المؤلف يتعمد أن يردد ابطاله العبارة اكثر من مرة بصدق شديد، ما يعقد المواقف، فعبدالله يبلغ طليقته أن تنتظره فى بيتهما، دليلا على رغبته فى استئناف العلاقة دون ان يعرف انها مخطوبة لرجل آخر، ودون أن تكون غالية مستعدة لذلك بالمرة فى الحلقة الـ20، فى هذا المسلسل هناك على الأقل، اربع قصص حب متوازية تدور كلها حول حكايات جديدة فى حياة عشاق قدامى فهناك السويفى الميسور جدا يعرض اغراء ماديا على زوجته السابقة المرتبطة بزوج جديد ان تترك زوجها كى تعود اليه مقابل الكثير من المال والاغراءات.
من أجمل المشاهد العاطفية فى مسلسلات هذا العام مشهد البوح غير المباح أو المتبادل بين عمر وسكر فى مسلسل «ب 100 وش» فى الحلقة العشرين، حيث تنامت العواطف بين الشابين العاملين فى النصب، لقد تعارفا فى الحلقة الأولى وتعاونا فى تدبير العديد من عمليات النصب، هو وسيم متعدد العلاقات وهى حسناء بشكل ملحوظ، وببطء شديد تنامت العلاقة وفى الحلقة العشرين طلب منها أن تتزوجه، كانا واقفين فى الفراندة، ترتدى رداء أحمر بالغ الجاذبية كأنها ترمى عليه سحرها، يطلبها للزواج ورغم انها سعيدة للغاية فإنها تتكابر عليه، ولا تستجيب إلى طلبه حتى اذا تقدمها فى الخروج من الفراندة راحت تتراقص وتتهادى من الفرحة، وفى المشهد التالى مباشرة تعبر له عن شعورها بالغيرة من الفتيات الأخريات.
الدراما تعتمد على علاقات متشابكة بين أشخاص اغلبهم شباب، يدورون فى حلزون الحياة يريدون الحصول على كل شىء يملؤهم الطموح والأمل، ومن السهل على بعضهم أن ينال ما يريد، خاصة إذا كانوا من أولاد الميسورين مثل اغلب الابطال. فى المسلسلات الحب أمر سهل عند الأغنياء، يبدو الارتباط أسهل الأمور فى الحياة، الشباب منهم يتمتعون بثقة كبيرة فى قدراتهم المالية، وسامتهم وممتلكاتهم، ومن أبرزهم مراد فى مسلسل «ونحب تانى ليه»، الذى نعود اليه مجددا، انه يمتلك المؤسسات وجنتلمان، والبنات الحسناوات جدا تحمن حوله، بمن فيهن سارة التى كانت فى حياته، وتريد استئناف العلاقة معه، على ان يبتعد عن حبيبته الجديدة غالية، وهى أم مطلقه تكبره فى السن، انه الحب المستحيل بالنسبة لها، لكنها لا تكف عن البوح أنها «تحبه» مهما صدها، هى لا تختلف كثيرا عن الشخصية التى جسدتها آيتن عامر فى «فرصة تانية»، لا تتراجع فى مواقفها على امتلاك حبيبها، تطارده إلى حد الخناق، ثم الموت المفجع جدا، هذه هى حلقات الحب يتسلسل كل شخص فى حياته بمن يحبه، وهو من ناحيته يحب شخصا آخر، ومن هنا تتولد المشكلات والحواديت.
لن نتوقف عند كل النماذج، فما أكثرها، إنما مسلسل « ب 100 وش» يعطى مثالا فريدا، فرغم كثرة الشخصيات وتنوعها فى العصابة، فإن السيناريو يركز على علاقة واحدة فقط بجميع تفاصيله منذ أن بدأت بالخصومة، إلى أن وقعت سكر فى حب شريكها عمر، وبدأ يعترف لها بالحب فى الحلقة العشرين، وتعنى عبارة «أحبك» هنا عن ماذا سيأتى بعدها، انه الارتباط الرسمى، فهذا هو الدليل أن النصابين من الأسرة البشرية، ينصبون ويعشقون ويدخلون فى الرسميات، لذا سرعان ما يطلبها، ويأتى بامه لتقابلها وتخطبها، وما ان يركبا السيارة معا حتى تنهال عبارة «أحبك» قوية من الطرفين، لم يعد يهمها كبرياء أو شموخ، وتطلب منه الانصياع لها وتتحول نبراتها وبدلا من «أحبك» تناديه عفوا «ياولا». انها أجمل الكلمات التى تنادى بها البنت حبيبها، بما يعبر عن البيئة الشعبية، هى سكر ترددها مرتين، أما هو الأرقى قليلا، فالمفروض أن يناديها «يابت» لكنها ليست من مفرداته، لذا فإن عبارة «أحبك» ليس لها أى معنى الا بالكلمة البالغة الخصوصية التى لن يسمعها من غيرها:« ياولا«
أما مسلسل «فالنتينو» فقد لا يوحى اننا لسنا أمام مسلسل عاطفى، لكن نوع الأبطال وعددهم الكبير يجعلنا نسمع العبارة مرات كثيرة جدا من حلقة لأخرى، فالمسلسل يدور فى عالم المدارس الخاصة، لكن يبدو أنه ليست هناك قصص حب كثيرة بين الطلاب الا التلميذ الذى أغوته زميلته على القفز من السور للذهاب إلى السينما، لكن هناك دوما قصص حب أخرى، أولها بين صاحب المدرسة وامرأة من مدينة أخرى تنهوس به، ويتزوجها ويشترى لها فيلا إلى جوار بيت الزوجة الأولى، بالإضافة إلى قصة حب بين المدرسة جيلان المنفصلة عن زوجها وزميلها المدرس أرشميدس. وقصة حب بين المدرسة صافى وزوجها شريف المريض الذى يذهب فى رحلة علاج، وتتشابك العلاقات، فالمدرسة جيلان يعود اليها طليقها لاستئناف الزواج، ما يعرقل طموحها، ويؤرق العلاقة بين المرأة وابنها، كما ان هناك علاقة حب تربط بين استاذ الفيزياء وبين تلميذته المحبة للعلم وهى ابنة فالنتينو، يحبها زميل لها من طرفه، ويتقدم لخطبتها من أبيها، وهناك الشاب، يجسده طارق الابيارى، الذى يفاجأ ان خطيبته تحولت فى مشاعرها عنه فصارت لا ترد على هاتفه، وتطلب من الأمن طرده من المكان. هى قصص متشابكة يجب ان ترضى حلولها كل الأطراف ى الحلقة الأخيرة.
فى الحلقة 24 من مسلسل «ونحب تانى ليه» هناك اربعة مشاهد عاطفية متأججة المفروص انها تدور بشكل متواز بين عشاق، جادين فى مشاعرهم، وهم فى حالة من البوح الشجى فالفتاة الجميلة سارة، تجسدها تارة عماد، تبلغ مراد أنها مازالت تحبه، وأنها ستظل تحبه طول العمر، وهو بوح تكرر فى أكثر من مشهد، أشبه بالزوجة التى ماتت فى مسلسل «فرصة ثانية» وكل ما يتعلق به مراد هو كلام بارد يؤكد أنه لن يلين ابدا، وفى المشهد التالى فإن عبدالله يلاعب ابنته التى رسمت نفسها بين والديها سعيدة، بينما تقف أمها المطلقة تتابع المشهد باهتمام، وفى المشهد الرابع قام رجل الأعمال ايهاب فهمى بحالة بوح لحبيبته التى تحبه من أجل المال، يبدو أن حالة بوح واحدة فى الحلقة غير كاف، فالمرأة تريد الحصول على حبيبها بأى ثمن.
وفى الحلقات الأخيرة أيضا من «ب 100وش» فإن المشاعر تنقلب تماما بين سكر وحبيبها عمر لأنها اكتشفت أن الحبيب خرج لمقابلة حبيبته السابقة، وسرعان ما تنقلب إلى انثى شرسة تعرف الغيرة أكثر من الحب فتتصل بحبيبها السابق، الذى هو ايضا زوج حبيبة عمر منذ عشرين سنة. ونشهد قصصا اضافية مليئة بالبوح والرغبة فى الانتقام، فهكذا تكون قوانين الدراما الممطوطة، يجب اختلاق مواقف جديدة لاشعال نار الحب، وجذوة البوح.
البوح هنا له طعم مختلف مع كبار السن، فالجميع لديه طرف آخر فى حياته، وليف اما زوجة تتراجع وتغير من سلوكها عندما يتركها رجلها إلى امرأة أخرى، أو امرأة ناضجة وما أكثرهن، بدأت حياتها من جديد فيأتيها الزوج القديم من الماضى وقد تغير كثيرا،
وفى هذه الحالة يأخذ البوح شكلا جديدا، وتتبلور مشاعر جديدة تنامت مع التطهر، ما يجعل الاختيار صعبا، بما يعنى أنها كلها قصص حب مستحيل، وكى تصل إلى بر الأمان فإن هناك بالتأكيد أطرافا خاسرة، ورغم ان الخسارة فادحة لكن البدء من جديد أمر وجوبى تماما لأن الحياة تستمر.
كلمة أخيرة صادقة للمسئولين أينما يكونون.. الرجا فتح مدرسة لتعليم السيناريو لأغلب من شاركوا فى الكتابة هذا العام، فلن ينصلح الحال الا إذا تم تنفيذ الاقتراح بحزم شديد.