إنه الكنز المخفى.. إنها الآثار التى لا يعرف أحد عنها شيئًا.. بل هى الكنز الحى الذى يجعلنا نشعر بالمتعة، ومن هنا فإننى أهب وقتى لهذه المهمة، أن أرشح للقارئ أسماء الأفلام المجهولة الموجودة على اليوتيوب، للتفرغ لرؤيتها والاستمتاع بأفلام ذات قيمة ملحوظة، فيلم اليوم هو «سجى الليل» لمخرج متميز هو بركات، وفيه تتم إعادة اكتشاف ممثل كبير بأثر رجعى هو محمود المليجى، وقد قام بالبطولة أمامه ليلى فوزى فى دور ابنته سهير، وعماد حمدى فى دور صديقه الحميم الدكتور رأفت، وشارك فى البطولة أيضا كمال الشناوى فى دور المهندس المعمارى فكرى.. نحن أمام فيلم قريب من الرومانسيات المأساوية الفرنسية، وإن كانت بيانات الفيلم لا تذكر ذلك، وعليه فهو واحد من الأفلام التى يمكن أن تعيش فى الذاكرة فترة طويلة لأنه حول الحب المستحيل.. وقد كان بودى أن أخصص المقال عن أدوار المليجى القليلة التى يقوم فيا بدور طبيب، نبيل، فيقف إلى جوار المرضى، خاصة أن الأفلام تجعل هؤلاء الأطباء فى حالة صراع مع الذات، باعتبار أن المرضى الميئوس من شفائهم هم من أقرب الناس اليهم، مثلما رأينا فى «حكاية حب» على سبيل المثال، وفى «سجى الليل» الذى يضم عددا قليلا من الشخصيات، فإن هناك الدكتور رأفت «عماد حمدى» الذى يكرس وقته للأبحاث، ورعاية المرضى، وهو يتعامل مع مرض شديد العدوى لن يلبث أن ينتقل إليه، ولاشك أن هذه الشخصية تتناسب مع هوى بركات لعمل الأفلام الرومانسية، والطبيب هنا على علاقة حب قوية مع الفتاة الجميلة سهير، وسرعان ما يكتشف رأفت قبل أن يتقدم لخطبتها بساعات أنه أصيب بالعدوى، إنه ميت لا محالة، وأن حبه مقيد بالمستحيل، وسرعان ما يغير رأفت خططه، ويتراجع عن كل قراراته العاطفية، دون أن يصرح لحبيبته بالحقيقة، ما يسبب تعذيبا لها، وحيرتها، ويكون الوحيد الذى يعرف الحقيقة هو والدها مدير المستشفى، وتتعذب الفتاة، لكنها أبدا لا تكره حبيبها الذى آثر أن يذهب إلى منتجع فى اسوان كى يموت وحده، وتضطر الفتاة أن تتزوج من المهندس فكرى الذى صمم لها فيللا الزواج بناءً على طلب حبيبها دون أن تعرف الحقيقة وهى أن حبيبها يخاف ان تنتقل عدوى المرض منه اليها، وفى فندق بأسوان يتلاقى العروسان بالطبيب المريض، ويصير شهر العسل مليئا بالحزن والدموع.
أعترف أننى لم أعد أتأثر بالمواقف المحزنة السينمائية لكثرة ما شاهدت من أفلام، وبعيدا عن أننى أشاهد كى أكتب فإن هذه المواقف الإنسانية وقد تركت أثرها فىَّ وارتبكت المشاعر بقوة، فحسب قوانين بركات فإن الحب العظيم يجب أن يرتبط بتضحيات كبيرة، والعروس المتزوجة تذهب إلى غرفة حبيبها بعد أن عرفت الحقيقة، وانتابتها حالة من البوح، اما الزوج فقد اتهم عروسه بالخيانة، لكنه وللمرة الأولى والأخيرة من بين أزواج السينما المصرية فإنه يترك عروسه مع حبيبها الذى يحتضر كى تتبادل معه آخر كلمات الحب العظيم، وهو مشهد مؤثر للغاية!!
كانت البطولة لعماد حمدى أشهر العشاق الذين أحبوا النساء بنبل، فى أفلام كثيرة من اخراج بركات ومنها «حتى نلتقى» و«ارحم حبى». اما محمود المليجى فهو عبقرى التمثيل الذى يقنعك بدوره بقوة شريطة أن يعمل مع مخرج من طراز بركات الذى اسند له دور الأب الطيب فى فيلم «أيام وليالى» 1955