الفقر المائي في مصر: تحويل المخاطر إلى فرص نمو - محمد القرماني - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 11:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفقر المائي في مصر: تحويل المخاطر إلى فرص نمو

نشر فى : الأحد 22 يوليه 2018 - 10:30 م | آخر تحديث : الأحد 22 يوليه 2018 - 10:30 م

أعلن وزير الموارد المائية والري فى كلمته الشهر الماضي خلال مؤتمر المياه من أجل تنمية مستدامة بطاجسكيتان أن نصيب الفرد من المياه فى مصر متوقع أن ينخفض إلى أقل من ٥٠٠ متر مكعب سنوياً بحلول عام  ٢٠٢٥ واصفاً وضع المياه بالحرج وأن مصر على أعتاب الفقر المائي، وهى التصريحات التى لاقت ردود فعل واسعة وأثارت تخوفات جموع المصريين. 

موضوع المياه يحتل أهمية كبيرة لدى الإدارة المصرية التي تسعى لاستباق أزمة الفقر المائي الوشيكة بالتركيز على إيجاد بدائل لمياه نهر النيل الذي يوفر ما يقرب من ٩٧٪ من احتياجات مصر المائية عن طريق الاستثمار في مشروعات تحلية مياه البحر وحفر الآبار الجوفية بالإضافة إلى بعض الإجراءات التي من شأنها ترشيد استخدام المياه ومن بينها تطوير أنظمة الري والتوسع فى زراعة المحاصيل الأقل استهلاكاً للمياه والتى تتأقلم مع التغيرات المناخية، كما أجري مؤخراً مجلس النواب تعديلاً لقانون الزراعة بما يمكن الحكومة من حظر زراعة محاصيل معينة والذي أعقبه بالفعل قرار وزارة الزراعة بتقليل مساحات الأراضي المزروعة بالأرز -الذي يعد من أكثر المحاصيل استهلاكاً للمياه- من مليون و١٠٠ ألف فدان إلى ٧٢٤ ألف فدان.

***

وبعيداً عن انخفاض حصة المواطن المصري من المياه وآثار الفقر المائي على الزراعة والأمن الغذائي تبقى هناك تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة يبد أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من جانب الإدارة المصرية والمتمثلة فى احتمالية تشريد الملايين من العاملين بقطاع الزراعة جراء الاستمرار فى تخفيض الرقعة الزراعية. فوفقاً لبيانات البنك الدولي فإن نسبة المشتغلين في قطاع الزراعة فى مصر عام ٢٠١٧ بلغ حوالي ٢٥٪ من حجم القوى العاملة (أي ما يقرب من ٧,٥ مليون فرد ) ومن المتوقع أن تواصل هذه النسبة الانخفاض خلال السنوات المقبلة فى ضوء توجه الدولة إلى مزيد من تقليل مساحات الأراضي الزراعية. وبطبيعة الحال فإن المحاصيل الأكثر عرضة لتقليل زراعتها هي الأكثر استهلاكا للمياه مثل قصب السكر والقمح والأرز وهى ذات المحاصيل التى تحتل نسبة كبيرة من إجمالي الأراضي الزراعية في مصر.

التحدي الرئيسي الذي سيواجه المجتمع المصري هو مصير هؤلاء المزارعين بعد خروجهم من العمل بقطاع الزراعة حيث يعد الاحتمال الأكبر هو هجرة هؤلاء إلى المدن الحضرية وعواصم المحافظات بحثاً عن فرص عمل، وفضلاً عما يمثله ذلك من مزيد من التكدس والضغط على الخدمات والمرافق والبنية التحتية فإنهم على الأرجح سيواجهون خطر البطالة الدائمة أو المؤقتة نظراً لأن المشتغلين بالزراعة تكون مهاراتهم مقصورة على العمل بالقطاع الزراعي وبالتالي لا يتمتعون بالمرونة الكافية للانتقال إلى قطاعات اقتصادية أخرى تستلزم خبرات ومهارات متخصصة وتدريب مهني. وعلى الأرجح سيكون القطاع الخدمي هو الأقدر على استيعاب المهاجرين من الريف وعلى الأخص فى الوظائف الدنيا فى قطاع المقاولات مثلاً الذي يوفر فرص عمل مؤقتة دون دخل ثابت. وخلال السنوات الماضية شهد قطاع الزراعة بالفعل تراجعاً في أعداد المشتغلين به على حساب نمو القطاع الخدمي وليس التصنيع فوفقاً لدراسة "الاتجاهات الديموغرافية والتنبؤ باحتياجات سوق العمل في مصر خلال الفترة من 2010 الى 2015" التى أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فإن نسبة المنضمين لقطاع الخدمات خلال هذه الفترة بلغت ٥١٪ مقارنة بـ ٨,٢٪ فقط التحقوا بالعمل بقطاع التصنيع وهو ما يشير إلى أن نمو فرص العمل في مصر اعتمد خلال السنوات السابقة على قطاع الخدمات. السيناريو الآخر هو اتجاه المهاجرين من الريف إلى العمل فى القطاع غير الرسمي (باعة جائلين مثلا أو عمالة باليومية فى الأسواق) وهى وظائف غير دائمة وبأجور متدنية ودون أى حماية قانونية حيث لا يتمتع العاملون بها بتأمينات اجتماعية أو حقوق متعلقة ببيئة العمل أو تعويضات عند التعرض لإصابة أو عجز وغيرها وبالتالي يساهمون فى تعميق أزمة الاقتصاد غير الرسمي التي تعاني منها مصر منذ السبعينات.

***

غير أن الصورة قد لا تكون قاتمة إذا ما تنبهت الدولة إلى تلك المخاطر وأحسنت التعامل مع المشكلة قبل وقوعها واعتبرتها فرصة للنمو والتنمية. ينبغي أن نبدأ من الآن إعداد خطة طويلة المدى تتضمن جدولاً زمنياً يحدد مواقع الأراضي الزراعية ومساحتها وأنواع المحاصيل التى سيتم تخفيض إنتاجها الزراعي على مدار السنوات القادمة وبناءً عليه تأسيس قاعدة بيانات للمزارعين المتضررين وسماتهم الديمغرافية وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية على أن يتم وضعهم على قوائم المستفيدين من برنامج تكافل الذي يقدم دعماً نقدياً مشروطاً للأسر المصرية الفقيرة مع استبدال الشروط القائمة حالياً لتتناسب مع ظروف المستفيدين الجدد حيث يشترط البرنامج فى شكله الحالي تعهد الأسر المستفيدة بحضور أبناءهم دون سن الثامنة عشر لنسبة معينة من الأيام الدراسية فضلاً عن الالتزام بالتطعيمات الإجبارية لأطفالهم، ويمكن استبدال تلك الشروط بشروط أخرى مثل حضور برامج محو الأمية والتأهيل المهني والتعليم الفني وذلك لمعاونتهم على اكتساب المهارات اللازمة التي تمكنهم من الالتحاق بسوق العمل فى وظائف لائقة تصون لهم كرامتهم وتقيهم شر الوقوع فى دائرة الفقر فضلاً عن توجيه تلك القدرات البشرية للقطاعات التى تحتاج إليها الدولة لقيادة قاطرة النمو وتحديداً فى مجال التصنيع وعلى الأخص الصناعات الموجهة للتصدير أو الصناعات التى تحل محل الواردات.

 

مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون 

 

الاقتباس

 

 التحدي الرئيسي الذي سيواجه المجتمع المصري هو مصير هؤلاء المزارعين بعد خروجهم من العمل بقطاع الزراعة حيث يعد الاحتمال الأكبر هو هجرة هؤلاء إلى المدن الحضرية وعواصم المحافظات بحثاً عن فرص عمل، وفضلاً عما يمثله ذلك من مزيد من التكدس والضغط على الخدمات والمرافق والبنية التحتية فإنهم على الأرجح سيواجهون خطر البطالة الدائمة أو المؤقتة

 

محمد القرماني استشاري السياسات العامة
التعليقات