يحتفل العالم اليوم، 8 مارس، باليوم العالمى للمرأة، وهو اليوم الذى تنظم فيه العديد من المؤسسات فى مصر وحول العالم فعاليات متنوعة تهدف للتوعية بحقوق المرأة وتسليط الضوء على إنجازات العديد من السيدات إضافة إلى التحديات والمعوقات التى تواجه المرأة فى مختلف المجالات. وبصراحة شديدة أصبحت غالبية الموضوعات المتعلقة بالمرأة التى يتم تناولها فى هذا اليوم وغيره محفوظة ومكررة وتشير إلى أن العديد من الجهات ترفع شعار حقوق المرأة من باب المتاجرة وليس انطلاقا من قناعات راسخة وفهم حقيقى للتحديات التى تواجه المرأة والتى تعيقها عن التمتع بحقوقها الإنسانية وتحرمها من فرصها المتساوية مع الرجل فى شتى مناحى الحياة.
أظهر تقرير حالة الأمن الغذائى والتغذية فى العالم State of Food Security and Nutrition in the World الصادر عن عدد من الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة أن عددا من مَن عانوا من الجوع عام 2021 وصل إلى 828 مليون فرد فى حين عانى حوالى 2,3 مليار فرد من إحدى درجات انعدام الأمن الغذائى، وقد كانت معاناة المرأة أشد مع انعدام الأمن الغذائى حيث أظهر التقرير أن حوالى 32% من سيدات العالم عانين من حالة انعدام أمن غذائى شديد أو متوسط مقارنة بـ27,6% من الرجال. بالإضافة إلى ذلك عانت ثلث سيدات العالم من الأنيميا وما يقرب من ربع أطفال العالم دون الخامسة أصيبوا بالتقزم الناتج عن سوء التغذية وعلى الأخص خلال فترتى الحمل والرضاعة.
●●●
تداعيات انعدام الأمن الغذائى أو عدم حصول المرأة على احتياجاتها الغذائية الكافية خطيرة للغاية حيث تؤدى إلى ضعف فى الصحة العامة وتساهم تدريجيا فى عدم القدرة على القيام بالوظائف والمهام البشرية العادية، مما يمنع المرأة من ممارسة حياتها بشكل طبيعى فى مختلف أدوارها الاجتماعية. كما أن تناول وجبات غير متوازنة أو فرط تناول الأغذية عالية الطاقة ترفع احتمالية الإصابة بمجموعة من الأمراض الناتجة عن سوء التغذية ومن بينها ارتفاع ضغط الدم والسكر وأمراض القلب وتصلب الشرايين والأنيميا الناتجة عن نقص الحديد وفرط الوزن والسمنة وكلها تؤثر على فرص المرأة فى التعليم والعمل والترقى الوظيفى وبالتالى وضعها الاقتصادى. كما يؤدى انعدام الأمن الغذائى إلى تدهور الصحة النفسية للسيدات حيث أظهرت دراسة قام بها باحثون بكلية الطب جامعة المنيا عام 2021 بعنوانImpact of household food insecurity on maternal mental health in Egypt ومنشورة بالمجلة الصحية لشرق المتوسط Eastern Mediterranean Health Journal أن الأمهات اللاتى يعانين من انعدام الأمن الغذائى أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق بحوالى 13 مرة مقارنةً بالأمهات اللاتى يتمتعن بالأمن الغذائى.
وربما يكون غائبا عن الأذهان أن الآثار السلبية لانعدام الأمن الغذائى لدى السيدات أخطر من الرجال، ذلك أن انعدام الأمن الغذائى وأمراض سوء التغذية يتم توريثها من المرأة لأطفالها أثناء مرحلتى الحمل والرضاعة مؤديا إلى ارتفاع حالة الوفيات بين الأطفال أو معاناتهم من بعض أمراض سوء التغذية الخطيرة مثل التقزم Stunting والتى تستمر مع الأطفال طوال حياتهم وتؤثر بصورة بالغة على نموهم الجسدى والعقلى والذهنى.
●●●
أسباب التمييز ضد المرأة فى الحصول على واستهلاك الغذاء أو بمعنى آخر تفضيل الذكور على الإناث فيما يتعلق بكميات ونوعيات الطعام له أسباب متعددة، لعل أبرزها هو الثقافة الذكورية السائدة فى أغلب المجتمعات والتى تعطى الأولوية للرجال على حساب السيدات فى أمور متعددة من بينها الغذاء. إضافةً إلى ذلك ففى المجتمعات التى يكون عمل الرجل هو مصدر الدخل الأساسى أو الوحيد للأسرة يتم إعطاء الأولوية له فى كمية ونوعية الطعام وكذلك الحال مع الأطفال الذكور المندرجين فى التعليم أو يمارسوا عملا لزيادة دخل الأسرة.
بخلاف ذلك هناك فهم منقوص لاحتياجات كل من الرجال والسيدات فى كمية الغذاء، فصحيح أن الذكور يحتاجون لكمية أكبر من الطاقة ولكن الفرق فى الاحتياجات طفيف ومقصور على كمية السعرات الحرارية فوفقا لهيئة الخدمات الصحية البريطانية National Health Service يحتاج الذكور فى المتوسط إلى استهلاك 2500 سعر حرارى بينما تحتاج الإناث إلى 2000 سعر حرارى (وهو ما يختلف بطبيعة الحال بحسب سن الفرد والنشاط البدنى والوزن والحالة الصحية) ويختلف الأمر كليا أثناء فترتى الحمل والرضاعة حيث يكون للمرأة احتياجات غذائية محددة تختلف عن أى فترة من فترات حياتها ويستوجب عليها استهلاك أصناف معينة من الغذاء تحتوى على تركيبات من العناصر الغذائية الصغرى التى تمدها بنوعيات من المعادن والفيتامينات (الزنك والأيودين والفوليك أسيد والحديد وغيرها) اللازمة للتكوين السليم للجنين أثناء الحمل ونمو الطفل أثناء الرضاعة.
كما تساهم المرأة أحيانا فى الانتقاص من حقها فى الغذاء، ففى الأسر الأكثر فقرا التى لا تستطيع توفير كميات كافية من الطعام لمختلف أفراد الأسرة تكون المرأة أول من تتنازل عن أو تقلل من حصتها الغذائية وإعطاء الأفضلية لأطفالها مدفوعة بمشاعر وغريزة الأمومة. بالإضافة إلى ذلك فإن الأسر التى تعيلها سيدة بسبب الطلاق أو وفاة الزوج أو عدم قدرته على العمل والكسب نتيجة للمرض أو الإعاقة، تتعرض المرأة لمخاطر أكبر لانعدام الأمن الغذائى بسبب عدم قدرتها على الالتحاق بسوق العمل أو الحصول على فرصة عمل جيدة لانشغالها برعاية أطفالها وهو ما ينتج عنه قلة الدخل وبالتالى قلة الإنفاق على الغذاء.
إن حصول المرأة على حقها فى الغذاء ليس وجهة نظر ولا قضية جدلية ولا رأيا مختلف عليه دينيا أو اجتماعيا أو طبيا، لذا أتطلع أن تركز الجهات المعنية بقضايا المرأة اهتمامها وجهدها الأكبر على هذه القضية الأكثر إلحاحا خاصةً فى الظروف الحالية التى تشهد ارتفاعا كبيرا فى كافة السلع الغذائية والتى ستكون المرأة بلا شك الأكثر تضررا منها.