الثقافة الجديدة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثقافة الجديدة

نشر فى : الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 8:40 ص

يُعتقد أن مصطلح «الثقافة الجديدة» يحمل معانى التقدم، الاستنارة، الحرية، ولكن ليس كل «جديد» هكذا، لأن اللاحق فى حالات عديدة يكون أسوأ بكثير من السابق. السنوات الماضية حملت بالتأكيد جديدا، ليس كله تقدميا.

يلخص الباحث السورى الدكتور حسان عباس ــ الذى يضع هدف تثبيت الذاكرة الجماعية فى مقدمة اهتماماته ــ الكثير من المعانى الجديدة الرديئة، التى تجتاح وطنا تمزقه الحروب، وأصبح ساحة للممارسات المتخلفة التى يقوم بها تنظيم «داعش».

من معالم الثقافة الجديدة فى الحالة السورية: الشتات السورى الذى يعيش فى بلدان عديدة، ويواجه مشكلات معقدة، منها سوء التعامل، والنظرة الاستعلائية، وتلاشى الطبقة الوسطى. الحياة فى سوريا باتت «معسكرة»، والعيش ضيقا، والجماعة تبتلع المواطن الذى يريد حلا لمشاكله فى بلد لا تسيطر الدولة فيه على أكثر من 40% من مساحته. غاب «المشترك» الذى يجمع، واتسعت الفجوات الاجتماعية نتيجة حرمان اجيال من فرص التعليم، وتنامت الفجوة العمرية الناشئة عن فقدان سوريا نحو 15% من سكانها أغلبهم من الشباب، وسط تفشى اتجاهات نفسية جديدة مثل الطائفية، والانتقام، والعنف والعدمية.

هذه بعض مظاهر الثقافة الجديدة التى تجتاح مجتمعا يعيش فى عدمية العنف، والمستقبل الغامض، وحرص الأطراف المتنازعة على تدميره.

من نعم الله على المجتمع المصرى أنه لم يمر بتجربة الحرب الممتدة، ولم يعرف الشتات، ولم تحدث به الفجوات التعليمية والعمرية التى تهز كيانه الإنسانى، لكن هذا لا يمنع أن هناك اتجاهات اجتماعية وسياسية ظهرت خلال السنوات الماضية تشكل هى الأخرى ملامح ثقافة جديدة منها: ارتفاع منسوب العنف، والحقد الاجتماعى، والانانية المفرطة، وتراجع مفهوم السلطة بمعانيها الايجابية والسلبية، وظهور طائفة «محتكرو الوطنية»، الذين يوزعون صكوك الوطنية على من يريدون، ويسلبونها ممن يرغبون، وتمدد الاستقطاب ــ سياسيا واجتماعيا ودينيا ــ بأشكال مختلفة، وأسس متنوعة، وأخطر ما فى الثقافة التى تتشكل هى «الكراهية»، من خلال الاعتقاد بأن وجود الذات يستلزم نفى الآخر، مما يفتح شهية الاستبعاد لدى كل الأطراف حتى تظل موجودة.

ليس كل ما ذكرت «جديدا» بالمعنى الزمنى، فقد كان قائما فى ظل سنوات حكم مبارك العجاف، لكنه تمدد، وطفا على السطح بقوة حين تراجعت الدولة، وتولى المجتمع تنظيم شئونه بما حمل من مبادرات ايجابية، وممارسات سلبية.

مطلوب من الباحثين فى العلوم الاجتماعية أن يجيبوا عن سؤال أساسى: ماذا حدث للمصريين؟ ذلك السؤال الذى حاول المفكر جلال أمين الإجابة عنه منذ سنوات من خلال تأملات اجتماعية فى أحوال المصريين، لكن الأمر يستدعى الآن بحوثا معمقة، ودراسات ميدانية، وتحليلا رصينا للتغيرات الثقافية التى حدثت فى الواقع المصرى. ومما يؤسف أن البحث الاجتماعى ضعيف، ومكلف، وقدرات الباحثين ــ العلمية والبحثية ــ متواضعة. فمن أى مورد يمكن أن يأتى باحث جاد؟ جامعة مكدسة بالطلاب، ومقررات دراسية بائسة، وعنف متفشٍ، وغش أكاديمى، ومكتبات غير مجهزة: إنها الحلقة المفرغة التى تصنع التطرف، الجهل، والتخلف العلمى.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات