أثارت مصافحة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للرئيس عبدالفتاح السيسى جدلا، وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى، رغم أن اللقاء كان متوقعا أو مفهوما، وإن فاجأ المتابعين حدوثه فى افتتاح بطولة كأس العالم فى قطر.
اللقاء كان متوقعا فى سياق التحولات فى السياسة التركية تجاه مصر منذ أكثر من عام، والمحادثات الدبلوماسية التى سميت بالاستكشافية بين الجانبين، فضلا عن التواصل بين أجهزة المخابرات فى الدولتين. وأظن أن هذا التواصل نزع فتيل المواجهة بين الطرفين فى عدة مناسبات.
ولا يوجد فى السياسة ثابت، بل إن طبيعتها متغيرة. فمنذ أيام صافح الرئيس الأمريكى جو بايدن نظيره الصينى شى جين بينج فى بالى بإندونيسيا، واجريا محادثات كان مقدرا لها ساعتان امتدت إلى ثلاث ساعات، ناقشت كل شىء من تايوان إلى النزاع التجارى بين البلدين العظميين، مرورا بالحرب الروسية الاوكرانية، ولا احد ينكر ان لغة التصريحات من الجانبين تجاه الحرب هدأت قليلا بعد هذه المحادثات خاصة فى التأكيد المتبادل على رفض التهديد الروسى بالسلاح النووى، والتفكير الان فى التسوية اكثر من أى وقت مضى منذ اندلاع الحرب فى فبراير الماضى. ورغم ان خطوط الاتصالات الأمريكية الصينية لم تنقطع، إلا أن العلاقات بين الدولتين بلغت فى الفترة الأخيرة ادنى مستوى لها منذ سبعينيات القرن العشرين.
وبالطبع فإن هناك احتياجا لدى الطرفين المصرى والتركى لتحسين العلاقات التى انحدرت لمستوى لم تشهده منذ عقود. هناك ملفات مشتركة بين الجانبين مثل ليبيا وغاز البحر المتوسط، وربما الوضع فى سوريا والعراق، ويبدو ان الرئيس التركى الذى سوف يخوض الانتخابات بعد أشهر يريد تهدئة ملفات السياسة الخارجية لبلاده، ولاسيما ان هناك شرائح من النخبة التركية تحمله مسئولية تدهور العلاقات مع مصر، لما لهذه العلاقات من ثقل تاريخى، وسياسى وثقافى. ورغم ذلك فإن الجوانب الشائكة فى العلاقات المصرية التركية تحتاج إلى وقت، والطريق لا يزال طويلا.
أكثر ما لفت انتباهى هو تعليقات بعض المنتمين إلى التيار الإسلامى المقيمين فى تركيا وخارجها، فقد تراوحت ردود أفعالهم بين الصدمة ومحاولة الايحاء برضوخ الجانب المصرى لنظيره التركى، وهو نفس الحديث السابق الذى انتشر إبان عودة العلاقات المصرية القطرية، وهى مسألة محيرة، تكشف بوضوح عن تحجر فى التفكير تجاه المتغيرات السياسية، واظن ان هذه هى إحدى آفات التفكير التى تصيب السياسات العقائدية بشكل عام، وبخاصة التيارات الإسلامية، حيث يظنون ان رهانات السياسة ثابتة، فى حين ان السياسة بطبيعتها متغيرة. وقد كنت الاحظ فى تعليقاتهم المستمرة على الاحداث، طيلة السنوات الماضية، اعجابا وولها بالسياسات التركية والقطرية، قد يكون ذلك اقتناعا منهم، أو من منطلق النكاية السياسية فى علاقتهم بالنظام المصرى، وبالطبع من حق كل شخص أو تيار ان يرى ما يشاء، ولكن هذه النظرة الاحادية تعبر دون شك عن غياب ادراك مفهوم السياسة الحقيقى الذى يقوم على المصالح، والرهانات المتغيرة، والبرجماتية المفرطة، وتعلمنا الخبرة السياسية ان ارتباط تيارات سياسية بدول أخرى أو قوى اقليمية عادة ما يكون مؤقتا، لا يدوم، ويعبر عن توظيف مرحلى، ينتهى بانتهاء مبررات وجوده حيث تظل العلاقات بين الدول أبقى من أى علاقات أخرى.