أمام أجواء القلق والاكتئاب التى تفرضها علينا صراعات الساسة ومزايدات الاحزاب ونعرات التربص والتعصب ومشكلات البطالة والاسعار، وزعيق المتحاورين فى الفضائيات، وحوادث الطرق، واكوام القمامة المتراكمة، وبلطجة الشارع، وفوضى المرور، وغير ذلك من ظواهر سلبية محبطة... رحت أبحث عن مخرج عملى وانسانى يمكن ان يخفف عن المصريين البسطاء اوجاع الحاضر، ويحفظ فيهم وبينهم الاتزان النفسى وجسور الثقة والتواصل ويبعث لديهم اشراقة الصبر والامل فى مستقبل افضل. ولأن محورى «الدين» «والسياسة» أصبحا للأسف يمثلان بذاتهما اسبابا للصراع والقلق فقد كان ضروريا البحث عن مجال آخر يمكن القيام فيه بهذا الدور الوطنى والانسانى الجامع. وقد وجدت ان «الفن» «والرياضة» يمكنهما ان يعيدا قدرا من البسمة والاتزان المفقود، وان الفنانين والرياضيين الجادين يمكنهم ان يكرسوا بالقدوة ومن خلال انشطة ميدانية محددة قيم الاخوة والتضامن بين الناس والقدرة على تحدى الصعاب والارتفاع فوق التشاؤم والتحزب والشك فى المستقبل.
•••
ورغم ان ظروفا معينه كانت قد اوقعت بعض الفنانين والرياضيين فى مصيدة السياسة واضطرتهم إلى الدخول فى مواجهات ضد ما توهمه الاولون من خطر على حرية الابداع وما تصوره الرياضيون انه مؤامرة ضد كرة القدم ــ الا ان الجسم العام لمجتمع الفنانين والرياضيين ظل على قناعة بأن تلك المهن قائمة بذاتها على منطق خاص لا يخضع ــ ولا ينبغى ان يخضع «للادلجة» أو «التسييس»، وانه لا خوف مطلقا على مواصلة نشاطاتهم الفنية والرياضية بحرية طالما ظلت تلك النشاطات بعيدة عن الاسفاف والابتذال وبعيدة ايضا عن خطابات التعصب والتفريق المنافية للروح الوطنية ولأمن المجتمع.
ذلك فإننى أدعو هنا كافة الجادين والشرفاء من العاملين فى ميادين الفن والرياضة إلى تكوين «جماعة» أو «جمعية» وطنية واسعة تعمل على رأب الصدوع واعادة بناء الثقة وغرس الامل فى نفوس المصريين جميعا وذلك من خلال عدة محاور أو برامج عملية ومفيدة تبدأ اولا ببحث جاد ومعمق فى اوضاع «روابط المشجعين» وهياكلها التنظيمية وطبيعة نشاطاتها واساليبها التعبوية بما يؤدى فى النهاية إلى ترشيد ادائها فى اطارات وطنية ورياضية واخلاقية هادئة. ولابد ان يتزامن مع ذلك جهد صادق ومكثف من اجل اعادة ترميم العلاقة بين نوادى وجماهير كرة القدم عموما وجمهورى «الاهلى» «والمصرى» على وجه الخصوص، والعمل على استرضاء وتعزية عائلات ضحايا العنف فى الملاعب، ومتابعة احتياجاتهم المعيشية بصفة منتظمة على نحو يخفف عنهم فقد الاعزاء ويمكنهم من مواصلة الحياه بايجابية.
ويأتى بعد ذلك أو متزامنا معه برنامج آخر لهذا الكيان الجديد يقوم على تشجيع وتكريم الجنود المجهولين العاملين فى مواقع الخدمات العامة وتحفيزهم على المثابرة وتجويد الخدمة ومواصلة العطاء، وان يتم ذلك فى لقاءات ميدانية تجمع الفنانين والرياضيين بهم فى مختلف المواقع الخدمية كوحدات الاسعاف والمطافى والمخابز والمستشفيات العامة واقسام الشرطة وورش وجراجات النقل العام ومحطات تنقية المياه والصرف الصحى والجمعيات التعاونية الاستهلاكية ومصلحة الاحوال المدنية ومراكز التوثيق والشهر العقارى وغير ذلك.
وقد يتطور الامر إلى تشكيل فرق من اعضاء الجمعية الجديدة للمساهمة مع رجال الشرطة فى تنظيم حركة المرور فى اوقات ومناسبات معينه، ومع الاجهزة البلدية فى نظافة وتجميل الميادين الرئيسية، ومع وزارة الصحة فى استقبال المرضى وانهاء اجراءاتهم الورقية فى المستشفيات العامة ومراكز رعاية المسنين، ومع وزارات التموين والداخلية فى مراقبة الاسواق والاسعار، وربما المشاركة ايضا فى حملات للتنشيط السياحى بما فى ذلك استقبال الوفود السياحية العربية والاجنبية وتشجيع السياحة الداخلية بين اوساط الشباب والعائلات المصرية وطلاب الجامعات.
والتصور ايضا ان يقوم الفنانون والرياضيون بالتعاون مع متطوعين آخرين بانتاج اغنيات واناشيد وتقديم عروض فنية ذات رسالة وطنية وانسانية خاصة تلائم الظروف الراهنة، وقد يجوبون بها الميادين والمقاهى العامة فى مختلف المحافظات لنشر البسمة وبث الروح الايجابية والتفاعل بين الناس.
وقد يكون من بين نشاطات هذا الكيان الجديد ايضا تنظيم حملات التبرع لصالح بعض المشروعات الخدمية والتنموية الخاصة بسكان المناطق العشوائية واطفال الشوارع ومرضى الكبد والكلى، وربما اقامة صناديق للتكافل الاجتماعى مع ضحايا حوادث العنف وحوادث الطرق، وتخفيف الاعباء والغرامات المالية عن كاهل سائقى الميكروباص والتاكسى، ومساعدة ضحايا العمليات الامنية من رجال الشرطة وعائلاتهم، وصناديق اخرى مؤقته لمساعدة صغار العاملين فى قطاع السياحة الذين تضرروا من الركود الراهن فى هذا القطاع.
•••
وبعد، فلا شك ان المحبة الواسعة والجماهيرية الكبيرة التى يحظى بها نجوم الفن والرياضة فى مجتمعنا المصرى يمكنها ــ لو احسن توظيفها ــ ان تكون عنصرا ايجابيا مفيدا فى عملية اعادة الاتزان والثقة والامل وروح التضامن فى نفوس المصريين وفى تخفيف وقع التشنجات السياسية والمشكلات الاقتصادية فى حياتهم، والعمل على احلال الروح الوطنية الجامعة محل نزعات التعصب والطائفية. ولدينا يقين بان هناك العشرات بل المئات من الفنانين والرياضيين الذين يسعدهم المشاركة التطوعية مع محبيهم ومشجعيهم فى هذا المشروع المأمول. ولعل ما يحققونه من نجاحات اولية فى اطاره سوف يكون عنصرا مساعدا ايضا فى التأهيل لعودة الانشطة الرياضية والفنية إلى الانتظام فى اجواء ايجابية اكثر هدوءا وتسامحا، وهو ما يحقق للفنانين والرياضيين انفسهم مزيدا من المنفعة والتألق والرصيد الشعبى، ويحقق للوطن ولعموم المواطنين فى ذات الوقت فرصة اكبر لاعادة بناء الثقة وتكريس قيم التضامن والاستبشار بالمستقبل.
المهم ان يبدأ المشروع وان يبقى فى اطاره الوطنى والانسانى والعملى الخالص، وان يبتعد عنه رجال السياسة والاحزب واصحاب النظريات ودعاة الفرز والتصنيف الايديولوجى.