كل التسريبات الواردة من هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا تشير الى أن تقريرها سيقضى ببطلان انتخابات مجلس الشعب الماضية، لأن قانون انتخابات البرلمان خصص ثلثى المقاعد للقوائم الحزبية والثلث الباقى للمرشحين الفرديين، وهو ما اعتبره التقرير إهدارا لتكافؤ الفرص بينهما، وإخلالا بالشرعية الدستورية التى توجب أن تكون القسمة متساوية بين النظامين.
وإذا ما تأكدت صحة هذه التسريبات، بإصدار المحكمة الدستورية حكما ببطلان انتخابات البرلمان، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة سيتم تأجيلها بالقطع، لأن عددا معتبرا من المرشحين الرئاسيين الحاليين لن يستطيعوا خوض هذه الانتخابات، لأنهم ترشحوا لها أصلا بناء على اختيار أحزابهم الممثلة فى هذا البرلمان الذى سيصبح ــ بحكم المحكمة ــ باطلا وفاقدا للشرعية، وبالتالى فإن ترشحهم لهذه الانتخابات سيصبح هو الآخر باطلا وفاقدا للشرعية، تأسيسا على القاعدة القانونية القائلة بأن كل ما بنى على باطل فهو باطل!
ومع أن النسخة الأولى لقانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى التى أصدرها المجلس العسكرى، كانت تقسّم مقاعد البرلمان مناصفة بين نظامى القائمة والفردى، إلا أنه استجاب لضغوط الأحزاب ونصائح مستشارى السوء، وأقر النظام الجديد لتقسيم المقاعد الذى أدى فى النهاية إلى ظهور شبهات تحيط بشرعية البرلمان.
وبانتظار حكم المحكمة الدستورية الذى سيضع الكلمة الأخيرة التى ستقرر استمرار البرلمان أو وجوب حله، فإن الكثير من التساؤلات تفرض نفسها حول تكلفة الفاتورة السياسية التى ينبغى أن ندفعها فى حالة اضطرارنا لإجراء انتخابات تشريعية جديدة.. فهل لدى ملايين الناخبين نفس الطاقة السياسية للوقوف فى طوابير طويلة على مدى ثلاثة أشهر لتكرار نفس التجربة الانتخابية السابقة ؟.. وهل ستمر الانتخابات بسلام أم أنها ستشهد أعمال عنف خاصة فى ظل الاستقطاب الحاد على الساحة السياسية ؟.. وهل ستحمل النتائج مفاجآت أم أنها ستعيد إنتاج نفس المجلس القديم؟.. وهل سيستطيع الفلول تنظيم أنفسهم واحتلال عدد أكبر من المقاعد بعد أن شعر ملايين الناخبين بضعف البرلمان الحالى وعدم فاعليته وانشغاله بالأمور الهامشية والثانوية؟.. وأخيرا هل سيفرض الحكم بحل المجلس ضرورة استمرار المجلس العسكرى فى الحكم، رغم ما أعلنه الفريق عنان أمس الأول بأن المجلس سيسلم السلطة للمدنيين فى 30 يونيو المقبل؟!
والأمر المؤكد فى هذه الصورة المرتبكة، أن الرهان الخاطئ للقوى الإسلامية لـ«الانتخابات أولا» هو المسئول عن تبديد الكثير من منجزات ثورة يناير، لأن الحكم بحل البرلمان سيعيدنا إلى نقطة الصفر، ويؤكد أن كل ما أنجزناه خلال الشهور الماضية كان حرثا فى البحر، اللهم إلا إذا رأت المحكمة الدستورية ــ بعيدا عن أى ضغوط أو مواءمات سياسية ــ أن انتخابات البرلمان صحيحة دستوريا، وهو ما سيجنبنا مواجهة فصول جديدة من الفوضى لم يعد أحد فى مصر الآن قادر على احتمال تبعاتها!