يحتفل العالم يوم 26 إبريل من كل عام باليوم العالمى للملكية الفكرية، وهو يوم حددته لهذا الاحتفال المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وهى الوكالة الدولية المتخصصة فى إطار منظومة الأمم المتحدة المنوط بها تناول الموضوعات المندرجة تحت مظلة العنوان العريض للملكية الفكرية، واعتادت المنظمة كل عام على اختيار موضوع متخصص بعينه ليكون محورا لهذا الاحتفال، وذلك على النحو الذى يعكس أهمية هذا الموضوع فى ذلك العام على وجه التحديد فى السياق العام لموضوعات الملكية الفكرية، ويكون الموضوع دائما بالضرورة مرتبطا بشكل وثيق وعلى نحو عضوى بموضوعات الملكية الفكرية والابتكار والإبداع.
وقد حددت المنظمة العالمية للملكية الفكرية موضوعا للاحتفال فى اليوم العالمى للملكية الفكرية لهذا العام 2021 «الشركات الصغيرة والمتوسطة والملكية الفكرية: نقل أفكارك إلى السوق»، وكان اختيار هذا الموضوع على نحو الخصوص لاحتفالية اليوم العالمى للملكية الفكرية لهذا العام أمرا نبع من أكثر من سبب وله أكثر من دلالة.
أما من حيث أسباب هذا الاختيار، فأولها هو أن الأزمة العالمية الراهنة الناتجة عن فيروس كوفيد – 19، والتى هى فى جزء كبير من ناتجها الفعلى على الأرض أزمة اقتصادية كبرى يتعرض لها العالم بأسره، ببلدانه المتقدمة والبازغة والنامية والأقل نموا على حد سواء، هذه الأزمة قد أوضحت بجلاء وبما لا يدع مجالا للشك أو التشكك أن اقتصاديات بلدان كثيرة جدا فى العالم، فى الشمال وفى الجنوب، تعتمد فى الأساس على الشركات الصغيرة والمتوسطة. ورغم أن هذا الأمر لا يعد فى حد ذاته اكتشافا جديدا حيث أظهرته من قبل فى بلدان بعينها دراسات وأبحاث لمؤسسات دولية متخصصة ذات صيت فى تحليل الاقتصاديات، إلا أن الأزمة الراهنة ألقت الضوء على هذه الحقيقة على الصعيد العالمى بأكمله. فالشركات الصغيرة والمتوسطة باتت تمثل 90% من إجمالى الشركات فى العالم، كما أنها تقوم بتوظيف ما بين 50% و70% من العاملين على الصعيد العالمى، بالإضافة إلى كونها تشكل نصف حجم الاقتصاد العالمى ككل.
أما ثانى الأسباب فهو أن جميع التقارير الدولية التى تصدر عن منظمات دولية لها مصداقيتها العالمية، مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى والبنك الدولى ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأنكتاد) ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية وغيرها، تكاد أن تجمع على أن الصلة باتت قائمة وثابتة ومؤكدة بين تقدم أوضاع الشركات الصغيرة والمتوسطة على خريطة الاقتصاد الوطنى للدولة وفى سياق تنفيذ خطط التنمية وتطبيق رؤى وطنية للنهوض والتقدم، وأيضا فيما يخص ميزاتها النسبية وقدراتها التنافسية، سواء فى السوق المحلية أو فى الأسواق الخارجية، ما بين شبه إقليمية وإقليمية ودولية، من جهة، وبين تعظيم استفادة تلك الشركات الصغيرة والمتوسطة مما بحوزتها من مكونات وأدوات الملكية الفكرية من جهة أخرى.
وثالث الأسباب يتعلق برؤية المدير العام الجديد للمنظمة العالمية للملكية الفكرية السيد/ دارين تانج، والذى تولى مقاليد منصبه فى الأول من أكتوبر من عام 2020، حيث أنه اعتبر دعم قدرات الشركات الصغيرة والمتوسطة لحسن توظيف ما تمتلكه من خلال أدوات الملكية الفكرية فى مقدمة المسئوليات التى يقع على عاتق المنظمة العالمية للملكية الفكرية القيام بها خلال الفترة القادمة. وكان الدافع لهذه الأولوية التى منحها المدير العام لدعم المنظمة للشركات الصغيرة والمتوسطة هو الحرص على أن يكون للملكية الفكرية دور واضح فى تعزيز قدرات الأطراف الفاعلة اقتصاديا بحيث يحدث ذلك تأثيرا على الأرض يكون ملموسا من جهة زيادة عائدات ودخول تلك الأطراف من جهة والمساهمة فى إيجاد وظائف إضافية فى سوق العمل بما يحد من مخاطر البطالة من جهة ثانية وتعزيز دورها فى الاقتصاديات الوطنية والإقليمية والعالمية من جهة ثالثة، على أن يتم ترجمة كل ذلك إلى واقع معاش يشعر به المواطن العادى فى كل مكان عبر انعكاس ذلك على الحياة اليومية للمواطنين بشكل مباشر وملموس وبصورة إيجابية.
أما إذا انتقلنا إلى تناول الدلالات، فأولها أن الملكية الفكرية والابتكار والإبداع صارت بشكل متزايد مرتبطة، بل وملتصقة، من جهة بالحالة العامة للاقتصاد لكل دولة أو تجمع اقتصادى شبه إقليمى أو إقليمى أو أقاليمى، ومدى صلابته وقوة مناعته وقدرته على الصمود أمام ما يعتريه من اختلالات ومشكلات وما يواجهه من أزمات وتحديات، ومن جهة ثانية بمدى دينامية الاقتصاد وقدرته على استيعاب متغيرات الثورة العلمية والتكنولوجية المتسارعة وترجمة تلك القدرة الاستيعابية إلى ناتج يتمثل فى دخل إضافى ومتعاظم وزيادة مطردة ومتواصلة فى تراكم الثروة، ومن جهة ثالثة بفرص تعزيز القدرات التنافسية للناتج النهائى للوحدات الاقتصادية، وفى المقدمة منها الشركات الصغيرة والمتوسطة، من منتجات وخدمات، ولا ينطبق ذلك على السوق المحلية والوطنية فقط، بل أيضا على جميع الأسواق الخارجية من إقليمية ودولية.
أما ثانى الدلالات فتكمن فى اتساع المكونات المشمولة بالمظلة العامة للملكية الفكرية بمرور الوقت وتطور قدرات البحث والتطوير للمجتمعات البشرية فى مختلف أنحاء العالم، وذلك بشكل متزامن مع اتساع دائرة المعاهدات الدولية فى هذا الميدان الواسع والتى تشرف على إدارتها وتنفيذها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، والتى بلغ عددها اليوم 26 معاهدة، فالأمر لم يعد يقتصر على براءات الاختراع والعلامات التجارية والنماذج الصناعية وحقوق المؤلف وغيرها من العناوين العريضة لموضوعات تمثل أدوات لحماية الملكية الفكرية، بل أصبح النطاق واسعا وتفرع كل من هذه الأدوات المختصة بحماية الملكية الفكرية إلى العديد من الفروع، وبما أصبح يشمل الملموس وغير الملموس، الطبيعى والافتراضى، على حد سواء، فأصبح هناك على سبيل المثال العلامات التجارية الجماعية وتلك غير التقليدية، كما أن المجال لا يزال مفتوحا لظهور وتقنين أوضاع العديد من الأدوات الإضافية، فى ضوء ما نشهده بشكل متصاعد من تضاعف منتجات ثورة البحث العلمى المدفوع بقوة من جانب آليات مشجعة للابتكار. وتقدم كل من هذه الأدوات فرصا وإمكانيات للشركات الصغيرة والمتوسطة لتستفيد منها فى زيادة القيمة المادية لمنتجاتها.
أما الدلالة الثالثة فتتعلق بما يمكن أن تقدمه المنظمة العالمية للملكية الفكرية للشركات الصغيرة والمتوسطة من جهة مساعدتها عبر أكثر من وسيلة، سواء عبر تعزيز وعيها بأهمية الملكية الفكرية من خلال الحديث عن تلك الملكية الفكرية بلغة مفهومة لرجال الأعمال، وبما يراعى خصوصية متطلبات واحتياجات قطاع الأعمال، أو من خلال صياغة وبلورة برامج ومشروعات يكون من شأنها أن تبسط من عرض المعلومات والإجراءات المتصلة بعملية تسجيل الملكية الفكرية وكيفية تحقيق حمايتها وطرح السبل المثلى لتسويقها، أو عن طريق النظر فى إيجاد أدوات مستجدة تمكّن الشركات الصغيرة والمتوسطة من بناء المهارات والقدرات اللازمة التى تمنحها القدرة على استخدام الملكية الفكرية كأداة لتحقيق أغراض تحقيق النمو لمشاريع الأعمال الخاصة بها، وبما يصب فى نهاية الأمر لصالح مجمل النمو الاقتصادى والتنمية المستدامة للدولة المعنية.