نتنياهو مرة أخرى - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الجمعة 18 أكتوبر 2024 6:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نتنياهو مرة أخرى

نشر فى : الثلاثاء 23 يوليه 2024 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يوليه 2024 - 10:10 م

يرى المفكر الإسرائيلى الدكتور أفراهام بورج، رئيس الكنيست، ورئيس الوكالة اليهودية السابق، أن من صفات نتنياهو، «الشعبوية الخبيثة»، ودغدغة مشاعر البسطاء، والتلاعب بعقولهم، وإيهامهم بقدراته الخارقة على تحقيق طموحاتهم. ويوضح، بورج، أن هذه الصفة قوَّضت أسس «الديمقراطية» الإسرائيلية: «لقد تغيَّر النظام السياسى الإسرائيلى من دون أى تشريع. تغيير بحكم الأمر الواقع ـ من نظام سياسى نيابى إلى ديمقراطية مباشرة، من دون أى مؤسسات مناسبة، ومن دون تراث متراكم وكوابح ضرورية. من يقف على رأس هذا الانقلاب أحد الشعبويين الموهوبين والخبثاء فى العالم. فى ظل زعامته توقفنا عن التقدم، وصرنا ننزلق نحو هاوية».
ومن الصفات، بحسب بورج، أيضًا، صفة الغرور والتفرد، والإيمان بأنه صاحب رسالة ـ دينية بخاصة ـ إلى درجة التوهم بأنه «إله»، ما يجعل الغوغاء يتحلقون حوله ويرون فيه «مسيحًا مخلصًا». هو شخصية مركَّبة، أو «هجين»، بحسب تعبيره، تحركها الغرائز (فى تلميح إلى حب نتنياهو للملذات، من حب للنساء، وللمال، وللهدايا، وخلافه): «يؤمن نتنياهو، فى قرارة نفسه، بأنه هجين من ملك وماشياح ـ مسيح يهودى ـ ومن مُخلص ـ بالمفهوم الدينى ـ وإله ميثولوجى أسطورى. لكنه، فى الواقع الحقيقى، مثل اسمه بالضبط، شخصٌ مركبٌ من «بيبيهات» (نسبة إلى كنية نتنياهو، «بيبى»، ذات المعنى الكريه أيضًا) المقرفة. ليست به قوة خلاَّقة، وإنما مجموعة من الغرائز. يستمد الدعم من وزرائه الموبوئين، الذين باعوا أنفسهم للأمراء من الناشطين الحزبيين الأقل منهم، الذين تمثل «لايكاتهم» مصدر الصلاحية لرئيس الحكومة وخصيانه».
من الصفات، التى لصقت بالرجل، صفة التردد فى اتخاذ القرارات، واتخاذ قرارات متضاربة فى وقت قليل جدًا، والمماطلة والتسويف، ووضع مصلحته السياسية والشخصية فوق كل اعتبار عند اتخاذ أى قرار، وإيهامه الإسرائيليين بأنه الوحيد القادر على التصدى للأزمات والمشاكل الكبرى، وهو ما يشير إليه، أدريان فيلوت، الذى وصف نتنياهو بأنه، ملك القرارات المتضاربة، وصاحب أسلوب معروف وثابت فى التفكير: «يجر نتنياهو الوقت ولا يتخذ قرارًا، إلى أن يفيض الكيل. عندئذ يستشعر أنه تحت ضغط، ثم يتردد، ثم يندم، ثم يلغى (ما اتخذه من قرارات). الاعتبار الذى يحركه دائمًا وأبدًا هو الاعتبار السياسى. التفسير الذى يمنحه نتنياهو لنفسه معروف للجميع: لزام علىّ أن أكون رئيس حكومة، لأننى الوحيد القادر، إن لم أكن أنا، فمن سيرد على الخط الأحمر فى الثالثة صباحا، ومن سيعالج مسألة النووى الإيرانى؟ ينجح نتنياهو فى تسويق هذا التفسير جيدًاـ والإسرائيليون، طبقًا لكل استطلاعات الرأى، يشترونه وهم فرحون».
ومن الصفات، ما يتعلق بكونه زعيمًا، مثل، التهرب من المسئولية، والحماقة السياسية، والانفصال عن الواقع، كما يقول، يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الشاباك ـ جهاز الأمن العام، خلال الفترة من 2005 ـ 2011م: «من الواضح أن أفشل وأسوأ رئيس حكومة فى تاريخ الدولة قادنا فى العقد الأخير إلى أزمة استراتيجية متعددة الأبعاد، سواءٌ على صعيد الأمن الداخلى، أم الأمن الإقليمى، أم الدولى، بسبب الحماقة السياسية، والانفصال عن الواقع»، ومنها صفات ذاتية، تتعلق بشخصه، بحسب ديسكين، أيضًا، مثل: «الكذب، والنرجسية، والعجرفة: لقد سئمنا تمامًا أكاذيبك، ونرجسيتك، وعجرفتك اللا متناهية».
• • •
على صعيد آخر، يجد، ناتان زهافى، تشابها، من حيث الشكل والجوهر، بين شخصية نتنياهو وشخصية شمشون التوراتية. لن نتطرق إلى أوجه التشابه فى الشكل، وإنما إلى التشابه فى الجوهر بينهما من حيث، الرغبة فى الانتقام من الخصم بعد بلوغ حافة اليأس. يقول زهافي: "لتمت نفسى مع الفلسطينيين"ـ جملة شهيرة رددها شمشون بعد أن قرر هدم المعبد عليه هو ومن بداخله من جمهور الفلسطينيين بحسب سفر "القضاة" بالتوراة ـ تعبير توراتى معناه: أن يقرر إنسانٌ الانتقام من العدو وأن يكون سببا فى إلحاق الضرر به وبنفسه على حد سواء بعد أن رأى أنه لن يستطيع الانتصار على عدوه".
لم يبخل الشعر، أيضًا، فى إزاحة النقاب عن بعض الصفات؛ إذ يرى الشاعر الإسرائيلى، أهرون شبتاى، أحد كبار الشعراء المعاصرين، فى قصيدة حوارية بين شخصين، شخص يدعى، عَمى، وشخص يدعى، إسرائيل، عنوانها: «هالو، عمى» ـ كلمة عَمى تعنى اسم علم وتعنى: شعبى، أيضًا، وكلمة إسرائيل تعنى اسم علم واسم دولة إسرائيل أيضًا ـ أن نتنياهو مختل نفسيا، شخصية «سيكوباتية»، وأنه يقود الدولة، ومعه ثُلَّة من «البلطجية»، نحو الخراب والدمار. لفت نظرى إلى القصيدة، زميلى، وصديقى، الدكتور الأديب، محمد هندام. يوجه، إسرائيل (الشخص أو الدولة) نداء استغاثة إلى عَمى (الشخص أو الشعب) لإنقاذه/لإنقاذها من جنون نتنياهو. تقول أبيات القصيدة، التى نشرت مؤخرًا فى «يديعوت أحرونوت»: هالو، عمى/أنا إسرائيل/ أتصل بك الآن/ والرعب يتملكنى!/ عمى، على مقود الحافلة/ استولى شخص سيكوباتى/ يقودنا نحو هاوية/ من فوق جبل شاهق شديد الانحدار/ صوب سدوم (مدينة قوم لوط، التى دمَّرها الرب، كما ورد فى سفر التكوين، 13، بسبب خطاياهم). /الرجل يبتسم، تحوطه مجموعة من البلطجية/ والركاب فى صدمة، يا عمى!/ بعض المصلين يولولون/ البعض الآخر يمسكون بملفات وسجلات (فى إشارة إلى القضايا المتهم فيها نتنياهو؟!)/ بجوارى أم تحتضن رضيعة تبكى. لم أكن فى مثل هكذا كابوس، يا عمى أبدًا/. أخرج من جيبى قدَّاحتَى ـ عسى أن أستمد بعض تشجيع، وبعضًا من الاتزان النفسى عبر النظر إليهما ـ أضعهما على الرف/ الملاصق لمسند الراكب الذى أمامى/القدَّاحة ذات الأنبوب الطويل، والقدَّاحة الصغيرة السوداء/نعم، والقلم الرصاص أيضًا/يا للحسرة، يا عمى، هم أيضًا تساقطوا الآن/يتدحرجون بميلان/على أرضية الحافلة/ عمى، عمى، عمى، من ينقذنا؟/ما الذى سيكون؟ ما الذى سيكون؟».
• • •
لكن ثمة وجهًا آخر للصورة. إذ يحظى، نتنياهو، بشعبية كبيرة لدى قطاع عريض من الإسرائيليين، يضفون عليه هالات من القداسة، ويرفعونه إلى مصاف الملوك ـ الأنبياء، الذين ورد ذكرهم فى التوراة، ممن يستمدون قدسيتهم من السماء، وليس من تنصيب البشر لهم؛ ومن هنا يكتسب إحساسه بالقوة فى مواجهة المعارضة الضعيفة، وفى مواجهة الاحتجاجات، التى لا ترقى إلى درجة تهدد وضعه. رسَّخ أنصار اليمين الصورة الذهنية: «بيبى ملك إسرائيل» على امتداد السنين، وازدادت الصورة رسوخا، بعد السابع من أكتوبر 2023م، وهو ما يتضح فى التعليقات على ما يكتبه نتنياهو من "بوستات" على وسائل التواصل. يقول أحدهم فى تعليقه: "طاب سبتك، يا ملك الملوك، يا أشجع الأبطال، يا أحكم الصديقين، يا صاحب الرؤيا (بالمعنى الدينى) بين الزعماء، يا أنبل البشر، يا من يحمينا ويدافع عنا بفضل حكمته اللا متناهية». ومن التعليقات فى مجموعة «الليكوديين» على الفيس بوك من يرى أن نتنياهو اختيار العناية الإلهية، إذ يقول أحدهم: «نتنياهو هو الزعيم الملائم اليوم، من يمتلك القدرة على تغيير الواقع فى المنطقة، بفضل مباركة الرب تبارك وتعالى له». فى القناة الرابعة عشرة ـ وهى بوق من أبواق نتنياهوـ تحدثت ضيفة، بأحد البرامج الحوارية، تُدعى، دانا فارون عن نتنياهو، وكأنه الملك الذى يسبق مجئ المسيح اليهودى المخلص بحسب الرواية اليهودية، قائلة، بالنص: «الكلام موجود فى المشنا ـ التلمودـ سيخرب الجليل وسيصير الجولان قفرًا وسيتنقل سكان المناطق الحدودية من مدينة إلى أخرى. كلام المشنا يتحقق على أرض الواقع بالنص. أنا سعيدة بهذا الأمر. إنه لأمر مذهل، النبوءة تتحقق، أشعر بأننا قبيل جوج ومأجوج ـ معركة فاصلة قبل نزول المسيح اليهودى المخلص ـ أعرف أن نبوءة الخلاص ستتحقق".
ويرى الصحفى، يانون مجال، المذيع بالقناة نفسها، المقرب من نتنياهو، أن نتنياهو خالدٌ مخلَّدٌ فى الحكم إلى أن يأتى المسيح المخلص: "لن يَخلُف بيبى أحد سوى الماشياح"؛ مشيرًا إلى أنه «مبعوث الإله»؛ وهو ما يشير إليه حاخامات عديدون، فى عظاتهم على قنوات اليوتيوب، أو مجموعات «فيسبوك» المسماة: «نتنياهو مبعوث الرب تبارك وتعالى». يقول "درويش" آخر من "دراويش" نتنياهو، يُدعى، يديديا ميئير، فى مقال كتبه، تحت عنوان: «ترنموا للملك»: «لستُ بيباويًا ـ نسبة إلى بيبى ـ وإنما أنا ربانى. فى العام الأخير، أجد صعوبة فى النظر إلى نتنياهو بمنظار سياسى فقط. هو فى نظرى مبعوث العناية الإلهية لقيادة دولة إسرائيل، الدولة التى ترعاها عين الرب إلهنا فى هذه الفترة التاريخية المليئة بالتحديات. ليس لدىّ تفسير لنجاحاته، ولما يتمتع به من قوى، ونشاط، وبقاء (سياسى)». هذه هى النظرة إلى نتنياهو لدى كلا المعسكرين: معسكر المعارضين ومعسكر المناصرين. كلاهما على طرفى نقيض. وهو أمر يعكس عمق الأزمة داخل المجتمع الإسرائيلى.

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات