رصاصة الدلبشاني.. الحدود الفاصلة بين الأدب والتاريخ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 13 سبتمبر 2024 1:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رصاصة الدلبشاني.. الحدود الفاصلة بين الأدب والتاريخ

نشر فى : الجمعة 23 أغسطس 2024 - 6:05 م | آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2024 - 6:05 م

 هل هناك شىء اسمه الرواية التاريخية، وإذا كانت موجودة، فهل هى ملزمة بتقديم وقائع تاريخية، أم أن استخدام هذه الوقائع لبناء نص أدبى محكم، يقوم بالأساس على استخدام الخيال، وإعادة تقديم صورة ورؤية جديدة، لا تلتزم بالضرورة بالوقائع المحددة؟

هذا السؤال سمعته يتكرر بصياغات مختلفة فى ندوة ممتعة، مساء الإثنين قبل الماضى، فى مبنى قنصلية بوسط البلد لمناقشة رواية «رصاصة الدلبشانى» للدكتور إيمان يحيى، الصادرة عن دار الشروق، وشارك فى مناقشة المؤلف الناقدان مصطفى عبيد ومحمود عبدالشكور.

تقول الواقعة التاريخية إنه فى صباح السبت 12 يوليو 1924، أى منذ مائة عام، وحينما دخل الزعيم سعد زغلول، رئيس الوزراء، محطة القاهرة ليركب قطار السابعة والربع، المتجه إلى الإسكندرية، لتهنئة الملك فؤاد بعيد الأضحى، ظهر له من بين الجماهير شاب، وأطلق عليه رصاصة من مسدس، وهمَّ أن يطلق الثانية، لولا القبض عليه.

ووفقًا لما يذكره الكاتب الصحفى الراحل مصطفى أمين فى كتابه «الكتاب الممنوع ــ أسرار ثورة 1919»، فقد أصيب سعد زغلول برصاصة فى ساعده الأيمن، وأخرى أعلى الثدى الأيمن، فدخلت تحت القلب، وأن الأطباء لم يستطيعوا استخراجها، وبقيت فى موضعها إلى أن مات سعد بها بعد ثلاث سنوات عام ١٩٢٧، لكن النشرات الطبية لم تذكر شيئًا عن رصاصة القلب.

المتهم اسمه عبدالخالق عبداللطيف الدلبشانى، وعمره 22 عامًا، وهو طالب كان يدرس الطب فى جامعات ألمانيا، وعاد إلى القاهرة فى 3 يوليو قبل الحادثة بتسعة أيام.

وقال فى اعترافاته الأولى، إنه ينتمى إلى مبادئ الحزب الوطنى، الذى يرفض تفاوض سعد زغلول مع الإنجليز، لأن شعاره: «لا مفاوضات قبل الجلاء».

المسدس، الذى استخدمه المتهم اختفى، وتطوع شهود بالقول إن الضابط الإنجليزى إنجرام بك وكيل حكمدار العاصمة وضعه فى جيبه، لكنه نفى ذلك، وكانت هناك اتهامات أيضًا باعتبار الخديوى السابق «عباس حلمى الثانى» الذى خلعه الإنجليز عام 1914 وراء الجريمة.

ولم يثبت للنيابة رسميًا صحة أى اتهام للحزب الوطنى أو الخديوى السابق، كما لم يثبت أن هناك شركاء للمتهم فى الداخل، وتأكدت النيابة أن الجانى أقدم على جريمته بدوافع سياسية، وأن به مسًّا من الجنون، ولذلك فإن محاكمته غير مجدية، وأودع فى مستشفى الأمراض العقلية.

لكن هناك اتهامات للاحتلال الإنجليزى بأنه المستفيد الأكبر من اختفاء سعد زغلول.

ما سبق ملخص للواقعة التاريخية التى تناولتها بعض الكتب التاريخية، واستلهم منها إيمان يحيى روايته المتميزة، والسؤال ما الحدود الفاصلة بين التاريخ والخيال الروائى؟!

مصطفى عبيد يقول إن الرواية تعيد تركيب التاريخ، ومن يقرأها سوف يعرف حال مصر خلال تلك الفترة المهمة خصوصًا عام ١٩٢٤.

الرواية ليست تاريخًا بل يمكن أن نتفق أو نختلف مع النتيجة التى تصل إليها وأدوات الرواية تختلف عن أدوات المؤرخ. فالخيال هو أساس الرواية لكن هذا الخيال يمكن أن يكون كارثة للتاريخ. عبيد يختلف مع مصطلح «الرواية التاريخية» ويفضل «الرواية ذات الخلفية التاريخية».

من وجهة نظر إيمان يحيى فإن الوقائع الموجودة فى الرواية صحيحة تمامًا، لكن الخيال موجود أيضًا وبكثرة، ومثال ذلك عشيقة الضابط الإنجليزى إنجرام، وكذلك عشيقة عبدالحميد الطوبجى اليونانية، إضافة إلى الجدل حول شخصية حسن نشأت، رئيس ديوان الملك فؤاد وهو شخصية محورية فى الرواية.

عند هذا الحد سأل المهندس إبراهيم المعلم الجالسين على المنصة: هل الرواية ممتعة أدبيًا وفنيًا أم مجرد سرد تاريخى؟

الإجابة كانت على لسان الناقد محمود عبدالشكور بأن الرواية جميلة وممتعة أدبيًا وفنيًا، وأن المعلومات والسرد التاريخى فيها صحيح، لكن على القارئ أن يبذل جهدًا حتى يعرف بقية الخلفيات التاريخية.

عبيد يقول إن الرواية تدهشنا وتمتعنا، وأن دور النص الأدبى ليس تقديم المعلومات بل تحفيز الذهن للتفكير والخيال.

بالطبع حينما تكون هناك رواية مثل الدلبشانى عن شخصية مهمة جدًا فى التاريخ السياسى المصرى، مثل سعد زغلول، فالمؤكد أنه ستكون هناك تباينات واختلافات فى وجهات النظر بحسب الزاوية التى ينظر بها كل منا إلى سعد زغلول ولحزب الوفد ودوريهما، لكن المؤكد من وجهة نظرى أن الرواية جيدة ومهمة وتستحق القراءة، وهى تكرس موهبة إيمان يحيى فى هذه النوعية من الروايات المهمة ذات البعد أو الخلفية التاريخية، ومنها: «الكتابة بالمشرط» و«الزوجة المكسيكية» و«قبل النكسة بيوم»، وكلها صادرة عن دار الشروق.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي