ما لم تتوقف المعارك السياسية بين القوى المدنية والقوى التى ترفع شعارات إسلامية فى مصر الآن، فإن كل الطرق تؤدى إلى اندلاع ثورة ثانية، لن تكون سلمية كما كانت فى 25 يناير، ولن يكون فيها الشعب والجيش «إيد واحدة» كما كان الحال حتى وقوع أحداث ماسبيرو ومحمد محمود، بل ستكون فى حدها الأدنى فوضى عارمة، وفى حدها الأعلى حرب شوارع، ولن يكون النموذج السورى ساعتها بعيدا عنا!
فالمشهد السياسى فى مصر حاليا، تتقاسمه تكتلات ثلاثة لا تتوافق مع بعضها البعض، أولها التكتل الإسلامى الذى وصل جناحه الأكبر وهو الإخوان المسلمون إلى السلطة، ويدير الدولة برعونة وبغموض نشأ من العلاقة غير الواضحة بين الرئيس محمد مرسى ومكتب الإرشاد بداية من محمد بديع إلى حسن مالك، فى نفس الوقت الذى تشتعل فيه النار تحت الرماد بين الإخوان والفرق السلفية والجهادية المختلفة، على خلفية الخلافات الفقهية التى تدور حول استناد السلفيين إلى المذهب الوهابى وإلى ابن تيمية، الذى لا تقبله جماعة الإخوان.
أما التكتل الثانى، فتمثله القوى المدنية الليبرالية واليسارية، والتى ترفض جميعها نموذج الدولة الدينية الذى تطالب به القوى الإسلامية، وترى أن هذه الدولة غير ديمقراطية ستقمع إن لم تكفر المخالفين لها فى الرأى، وأنها لا تتوافق مع أصول الشرع الحنيف، وترفع شعارات براقة كغطاء لتستولى من خلاله على السلطة، لتكوين إمبراطورية اقتصادية ضخمة كما فى حالة الإخوان، أو تطبيق النموذج الطالبانى أو السعودى فى الحكم كما فى حالة الفرق السلفية والجهادية.
وتبقى المؤسسة العسكرية هى ثالث أضلاع هذا المثلث، والتى عبرت عن غضبها من الأخبار التى تتناول محاكمة قادتها السابقين تارة ومنعهم من السفر تارة أخرى، وهددت بأن غضبها إذا انفجر لن يكون أحد فى مأمن من شظاياه، وهو ما يشى بأن أى محاولة لمحاكمة المشير طنطاوى والفريق عنان على تهم موجهة لهما بقتل المتظاهرين لن تقبلها قيادة الجيش الحالية، بل إنها ربما ستفجر غضبه، وبالتالى شظاياه التى يمكن أن تهد المعبد فوق جميع الرءوس!
ورغم أن هناك الأصوات العاقلة تحذر من فوضى قادمة فى الطريق إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن الاتجاه الغالب فى تحركات القوى السياسية المختلفة لا يرى إلا تحت أقدامه، بعد أن غشى عيونه بريق السلطة وشهوتها، فمعظم هذه التيارات، تتصارع حول الدستور وتريد مصادرته لحسابها، فى إقصاء تام للقوى الأخرى، رغم أن الدستور بدون توافق وطنى جامع عليه، سيكون أداة قمع وقهر، على عكس المراد منه تماما!
وأتصور أن على الرئيس مرسى أن يعيد حساباته فى طريقته لحل الأزمة بين القوى الثلاث، فليس بإطلاق التصريحات الوردية سيطفأ غضب الجيش، ولا حتى بحضور مناوراته، كما أن نكوصه عن وعوده بتشكيل جمعية تأسيسية جديدة للدستور سيثير غضب القوى المدنية عليه، ولن يضمن له تأييد السلفيين والجهاديين الذين يرون أن مسودة الدستور الحالية أقل إسلامية مما ينبغى، ليبقى البديل الوحيد أمام الرئيس هو إعداد دستور ديمقراطى حقيقى، غضب من غضب وفرح من فرح، استنادا إلى أن ثورة يناير لم تكن ابنا لهذا الفصيل الإسلامى أو ذاك، ولكنها كانت ثورة كل المصريين.. وكفانا ما ضاع من وقت أنفقته الجمعية التأسيسية الحالية، ثم قدمت لنا مسودة لدستور مسخ، يعادى روح ثورة 25 يناير،وأهدافها فى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية