العنف فى المجتمع يتحور فى الشكل، ويزداد فى الحجم، ويتنوع فى المسار. الدراسات الاجتماعية محدودة، وغير حديثة، ولا نعرف طبيعة التحولات التى طرأت أخيرا باستثناء الملاحظات العابرة، أو الأخبار الصادمة، أو التقارير الأمنية التى تمس قاع المجتمع. وإلى حين ما نجد بحوثا اجتماعية قادرة على رصد التغيرات، فإن هناك ملاحظة تكاد تكون واضحة يمكن الحديث بشأنها، وهى نقص المناعة عند الشباب. وأعنى بالمناعة الثقافة، والفكر، والسياسة، والاجتماع، مما يجعله أكثر عنفا، ويغيب عنه التفكير العقلانى.
وإذا كان هناك مرض يسمى «نقص المناعة» يغزو الأجساد البشرية، فإن هناك ما يمكن أن نطلق عليه «نقص المناعة» العامة خاصة عند الشباب، وهى عدم القدرة على مواجهة التحولات الجذرية فى المجتمع.
هناك عدة صور للمناعة يحتاجها الشباب...
مناعة سياسية من خلال فتح منافذ المشاركة سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولاسيما من خلال الأحزاب، والجامعات، والجمعيات الأهلية، والمحليات، وتكوين الثقافة المدنية عن الشباب من خلال المشاركة فى التنمية، والمشروعات العامة أسوة بما يحدث فى العديد من الدول.
مناعة تعليمية من خلال تطوير المناهج الدراسية بالتركيز على التفكير النقدى، وممارسة الأنشطة الثقافية والفنية، وارتباط الطلاب بالمبادرات الاجتماعية فى المجتمع، وخطط التنمية، وغرس مفاهيم الخدمة العامة فى نفوس الشباب.
مناعة ثقافية تتمثل فى تعميم «العدالة الثقافية» فى توزيع المنتجات الثقافية خارج العاصمة والمدن الكبرى حتى يتمتع بها الريف، والمناطق المهمشة، والفقراء. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الاهتمام بشباب المبدعين حتى تصبح الثقافة منتجا عاما، وليس حكرا على نخبة ضيقة. للأسف فإن القاهرة وربما بعض المدن الكبرى تستأثر بالخدمات الثقافية فى الوقت الذى تعانى فيه الأقاليم من نقص المنتجات الثقافية مما يؤدى إلى أمرين مزدوجين الأول غياب الثقافة الحديثة، والثانى انتشار الثقافة التقليدية التى تحوى الكثير من مظاهر العنف، والتعصب، والانفعال.
مناعة اقتصادية تتمثل فى تقديم خدمات تدعم الفئات المهمشة فى لحظات انسحاب الدولة من بعض المجالات، وتوفير سياقات تسمح لها بالتعبير عن رأيها فى السياسات العامة التى تمس واقعها، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية، والرقابة المجتمعية على إدارة وانفاق الموارد العامة، ورفع منسوب التعاون بين المواطنين فى مجالات التنمية، والاندماج الاجتماعى، والعمل التضامنى، وتوفير شبكات أمان اجتماعى على المستويات المحلية تسمح بحل المشكلات قبل استفحالها، ومواجهة تحديات العيش المشترك بين المواطنين، والمساعدة على مواجهة مشكلات الفقر والتفسخ الاجتماعى. يجب أن ندرك أن الريف طارد، فى حين أن التنمية تقتضى بأن يكون الريف منتجا بما يستوعب الطاقة البشرية من الشباب.
مناعة فكرية/ دينية من خلال تطوير الخطابات الدينية ليس فقط بدافع مواجهة الإرهاب أو التطرف، ولكن بهدف أن يتحول الدين إلى «طاقة تحرر» و«استنارة» و«قوة دافعة» للأفراد، وبخاصة الشباب، فى تطوير نوعية الحياة، والابتعاد عن كل ما يعوق التقدم الانسانى.
اجمالا فإن المجتمعات مثل الأجساد تحتاج إلى رعاية طبية. وكما يفحص الأطباء المرضى بشكل دورى، ينبغى أيضا أن نعيد النظر فى حال الجسد الاجتماعى بانتظام من خلال البحث الاجتماعى الرصين، والتعرف على مواطن الأخطار، والسعى دائما إلى رفع مناعته. العنف مظهر، ولكن هناك جوهر يحتاج إلى علاج.