الديمقراطية الاجتماعية فى الحداثة العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 24 أكتوبر 2024 2:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديمقراطية الاجتماعية فى الحداثة العربية

نشر فى : الأربعاء 23 أكتوبر 2024 - 7:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 23 أكتوبر 2024 - 7:30 م

فى مقال الأسبوع الماضى حذّرنا من الدخول فى بعض المماحكات التى يثيرها البعض حول الديمقراطية، تارة باسم شعار الشورى، وتارة باسم شعار العلمانية، وتارة باسم شعار عدم استعداد العرب للتعايش مع متطلباتها، وغيرها كثير وعبثى إلى أبعد الحدود.
ما يهم ليس هذه المعركة أو تلك وإنما الاتفاق على الأسس والمحتويات ونظم التطبيقات والأهداف للديمقراطية التى نتكلم عنها ونتمسك بها.
أولا: هناك ضرورة لاعتبار الديمقراطية جزءا وجوديا وضروريا من مكونات الحداثة العربية. ما عاد مقبولا تأجيل تطبيقها أو التلاعب بأسسها بسبب أية مبرّرات أو ظروف، كما فعلنا فى الماضى القريب. إنها حقّ عام، وليس تفضّلا أو منّة من أية جهة كانت، من أجل أن تشارك الشعوب والمجتمعات فى اتخاذ القرارات العامة وتقرير المصير المشترك بحرية ودون عوائق مصطنعة، والتى بدونها لا يمكن بناء توازن موضوعى تعاضدى فيما بين مؤسسات المجتمعات ومؤسسات الحكم. من هنا المساواة التامة فيما بين الديمقراطية وبقية مكونات المشروع النهضوى العربى.
ثانيا: أن الديمقراطية هى منهجية ونظام حكم شامل غير قابل للحذف والانتقاء والتشويه. إنها تنظم وتحمى جميع أنواع الحريات الفردية والجمعية بما فيها حريات الفكر والتعبير والنشر والتنظيم المدنى والعقيدية الدينية، وبالتالى التعددية الدينية والسياسية والثقافية، وهى تشجّع وتحمى نشاطات وتفاعلات التعددية السياسية وأحزابها، وبالتالى ترفض بقوة فكرة الحزب القائد والزعيم الأبوى الملهم، وهى لا تكتمل إلا بنظام تمثيلى دستورى شرعى نزيه وشفّاف وقابل للمساءلة والمحاسبة يؤدى إلى فصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وإلى تداول سلمى للسلطة تنظّمه القوانين والدساتير الشرعية، وأخيراً هى نظام يخضع لمعايير القيم الإنسانية والأخلاقية وعلى الأخص فضائل العدالة بكل أنواعها وصيغها والتسامح والتعايش السلمى مع المواطنة/ المواطن الآخر.
وإن أى مساس بأى من تلك المكونات والشروط سيجعل الديموقراطية ناقصة وعرجاء. ولقد أثبتت تجارب الكثير من مجتمعات العالم عبر العديد من القرون أن التهاون مع تواجد تلك المكونات والشروط قد أدى إلى أشكال من الفشل للكثير من التجارب الديموقراطية، وها أننا نعيش حاليا فى زمن مراجعات عميقة وجذرية للموضوع الديمقراطى برمّته وخصوصا فى دول الغرب العريقة فى تجاربها الديمقراطية.
إنهم يتحدثون عن الانتقال من الفردية المنفلتة إلى فردية اجتماعية متوازنة، عن استبعاد لحق الملكية الخاصة من قائمة الحريات الأساسية مثل ما يقترح الفيلسوف الأمريكى جون رولز، والرجوع إلى إعطاء أهمية للملكية العامة، وعن إضافة آليات جديدة للديمقراطية من مثل بناء مجالس محلية منتخبة وبسلطات تشريعية وإدارية كبيرة، وعن إدماج تفاعلى تعاضدى للأفكار الماركسية مع الأفكار الليبرالية، وعن رفض للتشوهات القيمية والأخلاقية الأخيرة فى الحياة السياسية والممارسات الثقافية فى الآونة الأخيرة.
إنها إذن لفرصة أمام الجميع للمساهمة فى وضع التصورات الإصلاحية الجديدة للديمقراطية، وعدم ترك الأمر كله، كما حدث فى السابق، فى يد ما يسمى بدول وقوى المركز لتضع لوحدها صورة الديموقراطية الجديدة وفرضها على العالم كله.
يهمّنا أن يقتنع شباب وشابات الأمة العربية بأن العالم لم يستقر عبر القرون الثلاثة الماضية على ممارسة واحدة متماثلة للديموقراطية، فكانت مثلاً الممارسة فى بلد كالسويد أو الدنمارك مختلفة إلى حدود بعيدة عن الممارسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع كانت الممارسة الماركسية اللينينية للديمقراطية مختلفة جذريا عن الممارسة الليبرالية، واليوم لا يمكن الحديث عن مماثلة الممارسة الديموقراطية فى الصين بالممارسة فى فرنسا، وبصورة دائمة ظلّت الممارسة الديمقراطية فى الجنوب الأمريكى لها طابعها المتميّز الخاص بها.
المهم أن تدرك شابات ويدرك شباب المستقبل أنه لا يمكن الحديث عن بناء حداثة عربية ذاتية نديّة متميزة ومتفاعلة مع حداثات الآخرين دون أن تحتل الديمقراطية جزءا بارزا من مكوناتها، وأصبح نشر الإيمان بالضرورة الوجودية للديمقراطية فى المستقبل العربى، لكى تكون الديمقراطية جزءا أساسيا من ثقافة الجماهير العامة، من مسئوليات الفئات المثقفة وأصحاب الفكر والأساتذة والآباء والأمهات والمناضلين كالعضوية الملزمة التى لا تتوقف ولا تتراجع.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات