طبقا للمادة 147 من الدستور، من حق الرئيس عبدالفتاح السيسى إجراء تعديلات وزراية على الحكومة بعد التشاور مع رئيسها، والحصول على موافقة أغلبية الحاضرين من مجلس النواب، وهو ما فعله الرئيس فعلا فى التعديل الوزارى الأخير الذى شمل 10 وزارات ما بين استبعاد وزراء وتبديل حقائب آخرين، متماشيا تماما مع نصوص الدستور، لكن التسويق السياسى لهذه التعديلات كان يشوبه الغموض والعديد من الأسئلة الحائرة!.
مثلا نحن لا نعرف بالضبط وجهة نظر الحكومة فى استبعاد د. سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، ولا حتى وزراء العدل والزراعة والصناعة والتجارة والطيران المدنى، أو لماذا تم إعفاء د. رانيا المشاط من وزارة السياحة وإعطائها مسئولية وزارة التعاون الدولى. كل ما قاله رئيس الحكومة إنه يوجه الشكر للوزراء المستبعدين، وإنه سيتم البناء على ما قدموه، دون أن نعرف أى شىء محدد عن هذا «البناء» ولا عن شكله فى المستقبل.
رئيس الوزراء نفسه أصبح مسئولا عن ملف الاستثمار مع ملف الإصلاح الإدارى بجانب مسئولياته الأساسية، فهل يعنى ذلك أنه لم يتوافر أمام الرئيس من يصلح لتولى هذه المهمات؟ أم أنه توفير للنفقات مثلا؟ أم أن هناك فلسفة جديدة أو مفاجآت مثيرة سيشهدها هذان الملفان تتطلب تدخلا عاجلا من رئيس الوزراء نفسه؟
أما السؤال الذى يكاد يصبح أم الألغاز فى هذه التعديلات فيتعلق بعودة وزارة الإعلام من جديد باسم مختلف وهو وزارة الدولة للإعلام، فهل كان الاسم الجديد هروبا من مأزق دستورى يجعل الوزارة بلا أى صلاحيات محددة فى ظل وجود المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، مع استمرار هيئة الاستعلامات؟ وما هى المهمة التى ستوكل للزميل العزيز أسامة هيكل فى رحلته الثانية مع الوزارة؟ وما هى الصلاحيات التى تمتلكها وزارته؟ وهل سنشهد معارك على الصلاحيات بين كل هذه المؤسسات أو على الأقل تضاربا فى عملها؟
كانت التوقعات تشير إلى تغيير وزراء التعليم والصحة والتموين بسبب التدهور فى هذه القطاعات، لكن المفاجأة كانت فى استمرار وزراء هذه القطاعات فى أماكنهم، وهو ما لا يمتلك كثيرون تفسيرا له، ودون أن يوضح لنا أحد أسباب بقائهم فى مقاعدهم؟!.
قد تكون هذه التعديلات مستوفية كل الشروط والنصوص الدستورية، لكنها تحتاج إلى الموائمة السياسية حتى تناغم مع روح الدستور، فنحن لا نعرف تقييم أداء الوزراء المستبعدين وأسباب إخفاقهم فى الاحتفاظ بحقائبهم، ولا ندرى شيئا عن المهام الموكلة للحكومة الجديدة بوزرائها الجدد، ولا حتى مجلس النواب ناقش بجدية الأسئلة المتعلقة بفلسفة هذه التعديلات ولا أسبابها، ولم يطرح رأيه كما توفرها له صلاحياته الدستورية فى عمل الوزراء المستبعدين، ولا فى تقييم أداء الحكومة ومراقبة أعمالها كما تنص عليها صراحة المادة 101 من الدستور.
بدون الإجابة عن كل هذه الأسئلة، وبدون أن تهتم أجهزة الدولة المختلفة بتوضيح أسباب وملابسات القرارات التى تتخذها، فإن بعض المصريين سيرون أن حكومتهم القديمة لن تختلف عن حكومتهم القديمة، وسيعتقدون أن ما يحدث من تعديلات وزارية مجرد لعبة كراسى موسيقية لا أكثر ولا أقل. مجرد تبديل وجوه واستمرار نفس السياسات، أو كما يقول المثل الفرنسى «عصير قديم فى زجاجات جديدة»!.