نشر موقع درج مقالا للكاتب «بولات جان» عن أوضاع الأكراد فى الوطن العربى، وموقف تركيا من أكراد سوريا.
دأبت السلطات والحكومات المتعاقبة على الدول التى تهيمن على كردستان، على إنكار أى وجود للشعب الكردى. ورافق هذه السياسات الهادفة إلى إبقاء الأكراد من دون كيان سياسى ولا هوية أو حقوق وشخصية مستقلة، وإطلاق الكثير من التسميات العنصرية التى تهين الشعب الكردى وتقلل من كينونته وإنسانيته، ولا تترك أى مجال للاحترام أو الصداقة.
السلطات التى تتقاسم بلاد الأكراد، كانت، وما زالت، تعارض أى حركة أو انتفاضة أو مطلب عادل من مطالب الشعب الكردى وتنعت هذه الحركات بشتى التسميات مثل (مشاغبين، مخربين، ملحدين، انفصاليين،.. إلخ).
فى السنوات الأخيرة، وجراء التطورات الهائلة فى تكنولوجيا الاتصالات والعولمة، وتمكن الأكراد من إيصال صوتهم إلى العالم، وظهور نوع من التعاطف الدولى مع الشعب الكردى، وكنتيجة طبيعية لثوراتهم وانتفاضاتهم المتتالية، فإن حكومات الدول المهيمنة على بلاد الأكراد غيرت قليلا من خطابها الرسمى. مع العلم أن خطابها الشعبى وممارساتها على أرض الواقع، لم تتغير بأى شكل من الأشكال. فبدأت هذه السلطات والحكومات فى خطاباتها الرسمية تدعى أنها «لا تعادى الشعب الكردى، ولكنها تحارب الإرهابيين والانفصاليين والمخربين… إلخ». ولا تتوانى عن القول: «نحنُ نحمى مواطنينا من ذوى أصولٍ كردية» أو «نحنُ ذهبنا ودمرنا وقتلنا المئات من (الإرهابيين الأكراد) لأننا نحب الأكراد ونريد حمايتهم!».
هذه الحكومات القمعية لن تحار كثيرا فى إيجاد بعض الشخصيات المتواطئة من الأكراد أنفسهم، وتدفعها لواجهة الإعلام، وتعتبرهم «النموذج الجميل للكردى الجيد»، وربما تعمل هذه الحكومات على إيصالهم إلى بعض المناصب الحكومية. حالة النفاق والالتفاف على الحقيقة ومحاولة خداع العالم سمة تشترك فيها الأنظمة القمعية والدول والحكومات التى تحتل أوطان الشعوب الأخرى.
الرئيس العراقى الأسبق، صدام حسين، كان يتفاخر ببعض الأكراد الذين كانوا يخدمونه ضد الثورات الكردية. كان يقول إنه ليس ضد الشعب الكردى بل هو ضد المخربين والخونة الأكراد، وكان يقول إنه يريد إنقاذ الأكراد منهم ومن فرط حبه للأكراد، قام بقتل مئات الآلاف من المدنيين الأكراد فى عمليات الأنفال فى الثمانينيات، وقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية.
***
الخمينى لم يكن ضد الأكراد أيضا، ولكنه كان فقط يحارب (أعداء الله) فى كردستان، وارتكب الحرس الثورى مئات المجازر فى المدن الكردية وأعدم وهجر الآلاف. وكذلك فعلت الدولة السورية بحكوماتها المتعاقبة، فهى لم تكن ضد الأكراد، بل كانت ضد (الانفصاليين وعملاء الإمبريالية والقوميين الأكراد)، ومن شدة حب الحكومات السورية للأكراد فإنها حرقت عشرات الأطفال فى سينما عامودا عام 1960، وحرمت نحو ربع مليون مواطن كردى من الجنسية السورية وحولتهم بين ليلة وضحاها إلى أجانب وغرباء وغير موجودين رسميا على وجه الأرض، وطردت عشرات الآلاف من الأكراد من قراهم وجلبت عشائر عربية وأسكنتها محلهم. ومن شدة حب هذه الحكومات للأكراد فإنها منعت اللغة والموسيقى والزى التقليدى والثقافة والألوان والأعياد والأسماء الكردية.
***
أما الدولة التركية وحكوماتها المتعاقبة، فقد وصلت إلى درجة العشق فى علاقتها بالأكراد. فهى تحبهم إلى درجة تسيير حملات إبادة صامتة وفرض التتريك عليهم وإنكار وجودهم كشعب وهوية قومية، وهى تمنع لغتهم وأسماءهم وتغير أسماء مدنهم وقراهم وجبالهم وسهولهم، وتمنع الأسماء الكردية عن أطفالهم وتمنع الأعياد الكردية والموسيقى والغناء والكتابة وحتى الأحرف الكردية. تركيا ليست ضد الأكراد، بل هى فقط ضد الانفصاليين والإرهابيين.
العشق التركى للأكراد لم يقف داخل حدودها فقط، بل انتقل إلى الأكراد فى سوريا.. الأتراك «يحبون أكراد سوريا ويريدون حمايتهم وإنقاذهم من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية». تركيا التى غمرت الشعب الكردى فى تركيا بحبها وعطفها وحمايتها، ولم يبقَ أمامها سوى تصدير هذا الحب عبر الحدود إلى أكراد سوريا أيضا.
تركيا كانت الداعم الأكبر للنظام السورى منذ اتفاقية أضنة عام 1998 ضد الشعب الكردى، ومن ثم تحولت إلى قوة تدمير لسوريا والثورة السورية، وفتحت أبوابها لكل الجهاديين والمتطرفين فى العالم ليعبروا إلى سوريا ويحولوها إلى «تورا بورا الشام» ودفعت بكل المجموعات الإرهابية والمتطرفة لمهاجمة الأكراد والعمل على قتلهم وتهجيرهم والقضاء على هويتهم ومكتسباتهم. ومن ثم تدخلت الدولة التركية مباشرة بقواتها العسكرية بصحبة الإرهابيين والمتطرفين فى عملية «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، فاحتلت الشريط الحدودى من جرابلس حتى إدلب، وهى تزعم وتهدد بهدف احتلال منبج وكل المنطقة المتبقية فى شرق الفرات. تركيا تفعل كل ذلك وهى تكرر من دون خجل، أن «تحركها ليس ضد الأكراد؛ بل ضد الإرهابيين والانفصاليين» .
لنفترض مثلا بأن تركيا تحب الأكراد وهى صديقتهم وتريد حمايتهم. ولنترك ما تفعله تركيا بمواطنيها الأكراد وكذلك الأتراك فى تركيا، ولننظر مليا إلى ممارسات تركيا فى عفرين وبقية المناطق الكردية والعربية المحتلة فى الشمال السورى خلال سنتين فقط. تركيا تقول إنها ليست ضد الأكراد، حسنا، لنسأل تركيا وحكومتها وقادتها:
– قبل احتلالكم مناطق جرابلس واعزاز والباب كان هنالك أكثر من 130 قرية كردية فى هذه المنطقة. أين هم أصحاب هذه القرى من الأكراد الآن؟ ومن يسكن فى هذه القرى الآن؟
ــ لماذا ترفعون علمكم التركى وصور رئيس دولتكم التركية على أراضى دولة أخرى وعلى أراضى شعوب أخرى غير تركية؟
ــ لماذا تقومون بتغيير أسماء القرى والبلدات والميادين والشوارع والأحياء الأصلية من اللغة الكردية إلى اللغة التركية وتقومون بتتريك هوية المنطقة؟
ــ لماذا منعتم اللغة الكردية فى عفرين وريف حلب الشمالى وأحللتم بدلا منها لغتكم التركية واللغة العربية، مع العلم أن هذه المناطق كردية؟
خلال حملة احتلال عفرين قامت تركيا بقصف البيوت والأطفال والمدنيين عشوائيا وقتلتم العشرات منهم، إضافة إلى مئات الجرحى والمصابين، ودُمِرت المدارس والمستشفيات والسدود ومحطات الكهرباء وأبراج الهواتف ومحطات الإذاعة والمواقع الأثرية التاريخية. وتم ترهيب وتهجير أكثر من 400 ألف مواطن كردى سورى من عفرين خلال أقل من ثلاثة أشهر، وجلبت تركيا عشرات الآلاف من الفصائل المتطرفة والنازحين والمهاجرين وأسكنتهم فى بيوت الأكراد. هل التغيير الديموغرافى يدخل أيضا فى خانة «محبة الأكراد»؟
إن كنتم تحبوننا حقا، فها هم أكثر من 25 مليون كردى يعيشون ضمن حدودكم الرسمية، أظهروا صدقكم، أفرجوا عن عشرات الآلاف من المعتقلين الأكراد، اتركوا الأكراد يقررون مصيرهم ويكونون شركاء حقيقيين فى دولتكم. شمال سوريا، بكل مكوناتها، لن تكون جزءا من الدولة التركية، وستحل قضاياها مع الدولة التى يعيشون فيها ومع الشعوب التى يشاركونها الهواء والماء والتراب، مع مقدار من الحب غير القاتل.
النص الأصلى