حينما وصل إنذار على يد محضر لرئيس الوزراء إبراهيم محلب يطالبه فيه أحد المواطنين، باعتبار يوم ميلاد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 19 نوفمبر عيدا رسميا للأب، كانت منظمات لحقوق الإنسان تعرض تقارير من عدة سجون بأن حفلات تعذيب ماجنة تقام للعديد من المعتقلين يقال إنهم من الإخوان أو المتعاطفين معهم، يتعرضون خلالها للضرب المبرح، ولتهديدات أكثر فظاعة تنتهك إنسانيتهم وكرامتهم، ولا تنتهى حتى يقر المعتقل بذل وانكسار بأن «اسمه سوسن»، وكأن هناك حلفا غير مقدس بين أطراف متعددة تسعى لإيجاد ديكتاتور جديد، يلتف حوله المنافقون، فى حين يقبع معارضوه فى السجون!!
صحيح أن السيسى شخصيا كان غائبا عن المشهدين، لكن الرجل يتحمل مسئولية مباشرة عن إيقاف كل حملات النفاق التى تحاول أن تصنع منه فرعونا جديدا، والتى تصاعدت وتيرتها مع توالى انكسارات ثورة 25 يناير وعجزها عن تحقيق شعاراتها على أرض الواقع. كما أن مصداقية السيسى كرئيس يعتبر المصريين نور عينيه، تفرض عليه أن يأمر بفتح تحقيق جاد وشفاف حول ما رددته منظمات حقوقية بتعرض المعتقلين فى سجن أبوزعبل للضرب المبرح بالعصى وتهديدهم بالكلاب البوليسية وتجريدهم من ملابسهم ليلا، ومنع ممثلى هذه المنظمات من زيارة السجون لتفقد أحوالهم، فهؤلاء المعتقلون حتى لو كانوا فعلا من الإخوان، فإن لهم حقوقا ينبغى أن توفرها لهم إدارات السجون، لأن أى انتهاك يتعرضون له هو انتهاك لدولة القانون، بل انتهاك لفكرة الدولة نفسها، كما أن السماح بانتهاك حقوق المصريين داخل السجون، هو الباب الخلفى لانتهاك حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم خارجها!
ما يثير المخاوف من عودة الفرعون لحياتنا من جديد، أن المزاج الشعبى العام فى مصر ــ بكل تراثه القمعى وتخلفه السياسى والثقافى ــ يستدعى الآن أسطورة البطل المخلص أو المستبد العادل، لكى يحارب له معاركه، ويحل له أزماته المعقدة، بديلا عن السعى الجاد لبناء مؤسسات ومنظمات ثورية نفتقد وجودها منذ أكثر من 60 عاما، ولم يكن غريبا وسط هذا المناخ أن نرى مظاهرات تربط بين جمال عبدالناصر وبين عبدالفتاح السيسى وترفع صورهما معا، فى استدعاء فج لدولة عبدالناصر القمعية!
قد نتفق أو نختلف مع طريقة إدارة السيسى لشئوننا السياسية والاقتصادية، خاصة فى انحيازه لدور الشركات الخاصة فى تحقيق التنمية الافتصادية، وتقليص دور الدولة فى رعاية الفقراء ومحدودى الدخل، والاستمرار فى رفع الدعم عنهم، والتوسع فى عمليات الخصخصة، وهى سياسات نتائجها كارثية، رغم مايراه الكثيرون بأن الرجل مخلص فعلا فى رغبته فى إصلاح أوضاعنا البائسة، وأن الحماس يملؤه لتحقيق أحلام ملايين المصريين فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية بطريقته الخاصة..!
فى تقديرى أن الفرصة لاتزال متاحة أمام السيسى لضبط إيقاع توجهاتنا الاقتصادية، والشهور القادمة قد تشهد استجابة من مؤسسة الرئاسة لمطالب الفقراء ومحدودى الدخل إذا ماتم إجراء الانتخابات النيابية، واختيار برلمان قوى يشارك الرئيس مسئولية الحكم، إلا أن المهمة العاجلة التى تقع على كاهل الرئيس الآن تفرض عليه التصدى السريع لكل المحاولات، أو بالأحرى المؤامرات، التى تجرى على قدم وساق لصنع فرعون جديد داخل القصر الجمهورى.. وهو الاختبار الصعب الذى يواجهه الرئيس مع تصاعد حملات النفاق التى تكاد ترفعه إلى مصاف أنصاف الآلهة!.