أسئلة مرعبة يجب أن تطرح - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة مرعبة يجب أن تطرح

نشر فى : الخميس 24 مارس 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 24 مارس 2016 - 9:25 م
من مفارقات الزمن الردىء الذى يعيشه العالم الآن أن تطرح أوروبا على نفسها أسئلة تشكك فى كل ما نادت به فترة «الأنوار» الأوروبية من قيم ومسلمات ظنت أن نشرها سينقل البشرية من حالات التوحش والبدائية والتخلف إلى حالات التمدن والرقى الحضارى.

وإلا كيف نفسر موجة «النهايات» و«البعديات» التى اجتاحت الساحات الفكرية والسياسية والاقتصادية الأوروبية بين عام 1990 – 2002، بدءا «بنهاية الإيديولوجيا»، مرورا «بنهاية الجغرافيا»، تتبعها «نهاية التاريخ»، و«نهاية اليوتوبيا»، انتقالا إلى «ما بعد الماركسية» و«ما بعد الرأسمالية»، وانتهاء للإعلان عن نهاية الحداثة والانتقال «لما بعد الحداثة»؟

كل عنوان من تلك العناوين الصاخبة المتحدية كان عنوانا لكتاب أو أكثر كتبه مفكر أو عالم مشهور غير متهور. كل كتاب أثار الكثير من الجدل والضجيج، إذ إنه يعلن بصورة مباشرة أو غير مباشرة تعثر أو إفلاس ذلك الشعار الأنوارى الحداثى أو ذاك.

لم تصل تلك الموجة إلى نهايتها بعد، إذ صدرت أخيرا كتابات كثيرة تنتقد بمرارة الصورة الجديدة للرأسمالية النيوليبرالية العولمية التى لا تعترف إلا بمتطلبات وقيم وقوانين السوق المتنافس الاستهلاكى النهم الذى يسلع ويسطح ويبيع ويشترى الفن والثقافة، بل والإنسان.

كما صدرت كتابات تنتقد بمرارة وخيبة أمل النواقص الكثيرة فى النظام الديمقراطى الليبرالى الغربى، أى النظام الذى اعتبره الكثيرون الملاذ الأخير للإنسانية فى وجه الظلم والتسلط والفساد واللامساواة.

فى هذه اللحظة، فى فرنسا، أحد أهم منابع نهر الأنوار الأوروبى المتدفق منذ ثلاثة قرون، هناك نقاشات تعبر عن قلق عميق حول ما وصلت إليه موجات «الأنوار» و«الحداثة». بعضهم يقول بأن فرنسا، وبالمثل أوروبا، تعيشان نقيض عصر الأنوار: إذ تشابكت واختلطت واختفت الفروق بين تيارات اليسار السياسى مع اليمين السياسى، والشعارات الفاشستية مع الشعارات الديمقراطية، وإذ تتصارع المساواة السياسية مع المساواة الاقتصادية والاجتماعية فى حرب عبثية، وإذ تترنح القيم الثورية الإنسانية التاريخية، وتسود اللاعقلانية على كل محاولات العقلانية، خصوصا بين الجماهير الهائمة على وجهها.

ما الذى حدث؟ الذى حدث هو أن الغرب تعايش مع حقارات الاستعمار، ومع شن حربين عالميتين فاجرتين، ومع تدخلات عسكرية انتهازية فى طول وعرض المعمورة، ومع تعايش أنانى مع كل نظام فاسد سلطوى مرتهن لنزواته، ومع نظام سياسى واقتصادى عولمى يفقر الفقراء ويدمر البيئة والطبيعة وكل جمالات الحياة، ومع إحلال الأنظمة والسلطات الاستخباراتية فى صدارة الحياة السياسية والثقافية والإعلامية، ومع حكم البلدان من قبل الشركات الكبرى ومؤسسات المال، ومع تهميش أدوار المفكرين والمثقفين.

***

ترى لو أرجعنا البصر إلى الأرض العربية، ألن نرى بوادر السير فى نفس طريق «النهايات» و«الما بعديات» لعقائد وشعارات ووقائع عملت الأمة العربية عبر القرون للوصول إليها، وظن العربى أنها أصبحت من المسلمات فى حياته؟

الآن والعديد من الأقطار العربية فى طريقها نحو التجزئة والتفتت، بسبب الصراعات المجنونة المفجعة بين مكوناتها والاستباحة التامة لها من قبل قوى الخارج المتآمرة على وحدتها القومية ونهوضها.... الآن والعديد من الأقطار العربية الأخرى تتهيأ وتهيئ للدخول فى نفس النفق المظلم، هل سنرى البعض يعلن نهاية الدولة الوطنية العربية بعد أن أعلن البعض سابقا نهاية شعار الدولة القومية العربية الموحدة؟

هل سندخل عصر النقاش حول طبيعة «ما بعد الدولة الوطنية القطرية»، وهل ستكون مبنية على أسس قبلية أم أسس مذهبية طائفية أم أسس عرقية لغوية؟

الآن والجنون التكفيرى الجهادى الإسلامى العنفى البربرى يجتاح طول وعرض بلاد العرب وبلدان المسلمين، هل سنتكلم عن «نهاية الإسلام المحمدى»، إسلام العقيدة الواحدة القائمة على أسس الحق والعدالة والقسط والتسامح والتراحم وحرية الإنسان فى عقيدته وإيمانه والاعتراف بأديان الآخرين؟

هل سنعلن مجىء رسالات «ما بعد الرسالة المحمدية» على يد معتوهين، ولكن بأتباع ومناصرين كثيرين، يطرحون أنفسهم لا كخلفاء سياسيين وإنما كخلفاء دينيين أيضا، لهم الحق وواجب الطاعة فى أن يقرأوا القرآن ويفهموا أقوال نبى الإسلام بصور لا تقرها عدالة السماء ولا عدالة الأرض؟ هل سنتكلم عن إسلام ما قبل «القاعدة» وفراخها وما بعدها؟

هل سنتكلم عن نهاية شعارات الوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الإنسانية والتجدد الثقافى، التى استنفذت طاقات أجيال من الإصلاحيين والمفكرين والقادة المناضلين، لتحل محلها شعارات متخلفة ظالمة متسلطة من مثل سبى النساء، وذبح أصحاب الديانات السماوية الأخرى، وإنهاء كل مظاهر الثقافة والفنون الرفيعة، وخنق الحريات الفكرية والسياسية، وإيقاف الانتقال إلى الديمقراطية، ورفض كل منجزات العصر الفكرية والعلمية والإبداعية، وإيقاف التاريخ لإرجاعه إلى الوراء عشرات القرون، والدخول فى معارك صبيانية مع كل الأمم، بل والوصول إلى الادعاء بمعرفة الطريق الأوحد إلى دخول جنة الله سبحانه وتعالى؟

هل نحن نتخيل أشياء لن تحدث بطرح أسئلة غير واقعية؟ أبدا، إذ من كان يصدق أن ثلاثة قرون من «الأنوار» الأوروبية ستنتهى بأن يصرح أحد الكتاب الفرنسيين بأن حضارتهم (الأوروبية) تتبدد وتنهار، وإنها فى نهاية السباق، لأنها لا تنتج شيئا؟ ثم يصرخ: المركب يغرق، ولا فائدة من وضع الإطارات المطاطية.

إنها تصوير قاتم، ولكن أليست الحالة العربية الآن أكثر قتامة وأشد بؤسا؟
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات