تميزت بعض الأعمال الأولى للأديب يوسف السباعى بأنها كانت تضم مجموعة من الحكايات المتشابكة قام بمزجها بمهارة تجذب القراء، خاصة الشباب، وقد أشرنا، فى مقال سابق عن فيلم «آثار على الرمال»، إلى ما يمثل هذا المعنى، فهناك قصص متداخلة تصلح كل منها أن تكون رواية منفصلة فى حد ذاتها، وفى رواية بين الأطلال صنع هذا المزيج بشكل يدعو الى الدهشة وأقبل عليه القراء بصورة تدعو أيضا الى الدهشة، ويبدو أن الناشر قد سمح للمؤلف أن يكتب ما يشاء وأن يفرد له المزيد من الصفحات فكانت هذه الأعمال تنشر على جزأين فى صفحات مطولة، وعند النظر إلى القصة الموازية نجد الطالبة الجامعية التى تتصادم مع أستاذها الشاب ثم تقع فى حبه، ويطلب منها الزواج ويذهب الى أمها لتكون الصدمة أنه هو ابن لهذه المرأة، وكأننا أمام قصة قدرية تعنى أن الأستاذ سوف يتزوج أخته لكن الأم تحكى له حكاية مليئة بالمصادفات الساذجة عن حبيبها القديم المؤلف الروائى محمود الذى أحبته فى شبابها لكنه كان متزوجا من امرأة تتفهمه ومصابة بمرض أدى الى وفاتها وهى تلد له، تحكى منى للشاب عن تفاصيل قصة حبها بعبارات تغمرها الرومانسية كأن يقف العاشقان امام الشمس الغاربة يشهدانها على قصة حبهم الخالد، وبالفعل فإن الزمن الذى تتعاقب سماواته يبقى على هذا الحب فى قلب الأم التى قامت بتربية ابن حبيبها الراحل وتغرب عنها ابنها الحقيقى، سرعان ما استلهمت السينما هذه الرواية فى فيلم اخرجه عزالدين ذو الفقار عام 1958 بطولة فاتن حمامة وعماد حمدى، وبعد عشرين عاما عاد بركات ليقدم القصة ذاتها مقصوصة، دون تفاصيل للحكاية الأولى بعنوان «اذكرينى» بطولة محمود ياسين ونجلاء فتحي، فى الفيلم الأول وقعت التلميذة الجامعية فى غرام أستاذها ودعته للحضور إلى دارها، مما استحضر جميع تفاصيل الماضى، لكن فى الفيلم الذى كتبه رفيق الصبان صارت الطالبة زميلة لحبيبها الشاب وطلبت منه أن يحصل على موافقة أبيه كى يتزوجا، وهو ما اختصر الأحداث وجعلنا ندخل مباشرة فى الحكاية القديمة حول المؤلف المتزوج الذى مات وترك زوجته حاملا كى تعتنى به حبيبته منى، دون أن يعلم انها ستصير أما ثانيا لابنه اليتيم، هكذا شاهدنا الحكاية المختصرة بدون أى زوائد فى صورتها الجديدة العصرية، والمقصود بالمعاصرة أننا استمعنا إلى أكثر من أغنية فى الخلفية لمطربين فرنسيين معاصرين مثل اغنية سوف أحبك لميشيل ساردو، لكنه لم يستطع أن يغير من هوية الشخصيات، فحسب السيناريو فإن القارئات الصغيرات يحمن حول الأديب الشاب ويقرأن قصصه العاطفية، والوحيدة التى لم تقرأ أعماله هى منى التى حافظت على تراثه بعد ان وقعت فى حبه.
فعل يوسف السباعى هذا فى الكثير من رواياته ومنها السقا مات، وإنى راحلة، ورد قلبى، وباعتبار انه كان يشارك فى كتابة السيناريو فقد التزم السيناريو غالبا بالحدوتة، ولأن الصبان سينمائى وناقد متميز فقد فهم طبيعة النص وقدمه بالشكل الذى رأيناه، أما عز الدين ذو الفقار فكان يميل الى تطويل الأحداث فى أفلامه، وهو يعرف أن المتفرج لا تهمه الأحداث كثيرا بقدر وجوده فى آفاق هؤلاء النجوم العشاق، وقد حدث ذلك فى كل أفلامه دون استثناء ومنها الشموع السوداء، ونهر الحب، اما بركات فكان يميل إلى إيجاز لحظات الحب فى عبارات يرددها الأبطال.
ويبقى سؤال: ترى أى من الفيلمين يبقى أكثر فى الذاكرة؟ اسألوا الأجيال فالإجابة تثير الحيرة.