كل العرب صاروا لاجئين تقريبا، منهم من لجأ بالفعل، ومنهم من يفكر باللجوء، وآخرون حجزوا سفرهم، والباقون يعيشون لجوءا فكريا.. هى اذن سنوات البحث عن اوطان أخرى وعن مناخات مختلفة وعن بقاع ليس فيها رصاص وقذائف وموت بالجملة وعطش وجوع.
صحيح ان العدد الاجمالى الذى أحصى للاجئين يقفز إلى ستين مليونا والعرب اكثرهم، الا اننى اصر على ان العرب جميعا يملكون فكرة التهجير وينقسمون حول طريقتها فقط، فهم بالتالى مملوكون للخارج عواطف وأحاسيس.. كم أكل سمك البحر من لحمهم، ومع ذلك يغامرون، بين البقاء فى البلاد تحت وطأة الخوف الدائم الذى لا عمر له، وبين ايام من المغامرة بات العرب يفضلون الثانية.
هنالك دولة عربية تمول الارهاب بالمليارات، لكنها لا تدفع فلسا واحدا لحاجات اللجوء واللاجئين، لسد جوع ايتام وارامل.. انه العبث فى زمن الكفر بالعرب الذين حولوا نيرانهم ضد بعضهم.. انه زمن الصدور المثقوبة، والرقاب المذبوحة، والموت تحت الردم والهدم، بل هو زمن التعذيب للإنسان العربى والتعاطى معه كجثة ميتة لا تستحق غير الدفن، أو جسد فقد عقله لا يمكنه سوى الموت ايضا.
لا اقول من المؤسف بل من المخزى ومن العار هذا الواقع العربى الذى تصرف فيه المليارات على الارهاب فيما جيوش من البطالة فى مصر لا تجد مكانتها العملية، وجيوش من اللاجئين تبحث عن الخبز والدواء.. وجيوش من المتعلمين يغسلون الصحون فى اوروبا أو كندا أو استراليا.
غدا يطلع يوم آخر، لا ادرى اذا كنا بالفعل امام مسئولين عرب مسلمين.. من المؤكد انهم لا شأن لهم بالدين والديانة، غرباء عن واقع، هبطوا من كواكب اخرى ولديهم اوامر بما يفعلون. عندما يطلع هذا الغد ستكون الأمة قد مات انسانها، وستكون الهزيمة المرة قد اكلت من مناخات الأمة، وسيكون هذا الجمع العربى لاجئا، فيما اصحاب المليارات يتأملون بشماتة ان الفقراء قد انمحوا.
احيانا اشعر بثقل الكلمة التى اكتبها، اردد مع نفسى ان لا حاجة للكتابة وللكلمات مهما كانت نارية وموجهة، ثمة من لا يقرأ وثمة من يراقب الكتابة، لكن، هنالك فى مكان آخر مشاريع كبرى يتم تنفيذها لن تمنعها الكلمة ولن تغير من جوهر منفذيها، الكل تحجر ضميره، صار له عقل بارد، سقطت من رءوسهم كلمات الاخوة والشقيق، ومتى كانت هذه التعابير مفيدة فى زمن عربى فارق البسمة منذ زمن بعيد.
اقرأ كثيرين، اولئك المهتمون بقراءات سياسية وبتحليل واستنتاج وغيره من الانواع الكتابية، لكن الحقيقة لم تعد تحتاج لهذا النوع من الكتابة بعدما صار اصحاب المال خشبيين. ومتى كان يجتمع الفقراء والمعذبون فى الارض إلى جانب قاتليهم وساحبى دمهم وعرقهم.
دعونا من التحليل، اكتبوا نداءات مرة، صرخة، أو لا تكتبوا، أجزم انه مهما كانت الكتابات فلن تؤخر ولا تقدم ولن تؤثر.. اذن هى تسلية وخدمة لأمل لن يقع ولن يرى النور بعدما توحشت اعصاب الإخوة وصارت السادية من محسناتها.
الوطن ــ عمان
زهير ماجد