عزيزى السجان.. تحية طيبة وعذرا لأننى لم أهنئكم بقدوم شهر رمضان واخترت أن أخاطبكم فى نهايته للتهنئة بختام الشهر المبارك، وبالعيد السعيد فى آن واحد.
تذكرت ضرورة تهنئتكم عندما قرأت مقطعا فى كتاب «من الشباك» الذى صدر مؤخرا للكاتب أحمد خير الدين، ليوثق بحس أدبى مؤلم تجارب المحتجزين فى عربات الترحيلات. المقطع الذى أشير إليه كتب على لسان أحد الشهود، ويصف فيه كيف تم تكديس المسجونين فى العربة حتى امتلأت وكيف انطلق بهم السائق.
«يكبح الفرامل فجأة، ومن ثم التحرك فجأة، ويكرر حركته هذه عدة مرات كأنه يرج زجاجة مياه غازية، فيتكدس المسجونون فى الداخل أو يقعون على وجوههم، ما كان يتسبب للبعض بإصابات تتراوح بين الكدمات والكسور والارتجاج فى المخ».
«عندما توقفت السيارة فى الصحراء، سألناهم أين نحن؟ وما مبرر وقوفنا كل هذه المدة فى الحر؟ جفت حلوقنا وغطى العرق أجسامنا ولم يجب أحد عن أسئلتنا. وبعد دقائق ارتفع صوت المحرك مجددا. علمنا بعدها أن العربة توقفت ليؤدى الضباط صلاة الظهر».
لا شك لدى فى أن لم تتخلوا عن الأخلاق الطيبة وهذا الحس الإيمانى الصافى عندما فعلتم الشىء ذاته مع المحامى الحقوقى طارق حسين. فى هذا الحر القائظ وفى شهر الصيام انطلقت عربة الترحيلات تدور به على مختلف الأقسام داخل ما يمكن وصفه بعلبة معدنية حارة خانقة تفتقر إلى أبسط مقتضيات التهوية. لم يكن الغرض نقله بقدر ما كان تكديره. ساعات من «الرجرجة» ونحو مائتين من الكيلومترات حتى تقيأ دما وبعدها أعدتموه إلى محبسه من جديد.
قد يبدو هذا مستغربا خاصة وأن قرارا بإخلاء سبيله صدر ولكنكم لم تنفذوه. وربما يكون الأغرب أنكم اكتشفتم على حين غرة اشتباها فى ارتكابه لسلسلة من الجرائم رغم أن وزارتكم أصدرت منذ شهور وثيقة «فيش وتشبيه» تؤكد خلو سجله من الأحكام.
من الجرائم المشتبه فى ارتكابه إياها جريمة «تبديد منقولات منزل الزوجية». طارق حسين أعزب وفى وقت الجريمة المفترضة كان طفلا يتردد على المدرسة الإعدادية. تقولون أيضا إنكم تشكون فى أنه كان وراء جريمة «سرقة كهرباء» ارتكبت فى عام 93. وهى مسألة قد تبدو مستغربة إذا علمنا أنه ولد فى نفس هذا العام، إلا أذا كان المقصود أنه، عندما كان رضيعا، ارتكب جريمة «لعب فى فيشة الكهرباء».
فى خضم هذا كله تجلس أم المحامى الشاب عاجزة عن فهم ما يجرى لابنها الحقوقى، كما عجزت عن فهم ما حدث لأخيه الأصغر محمود حسين الحاصل على لقب «معتقل التيشيرت» والذى عوقب بالسجن والتعذيب؛ لأنه تجرأ على ارتداء تيشيرت يحمل عبارة «وطن بلا تعذيب». تشعر بالخوف من أن يتعرض الابن المحتجز لما تعرض له أخوه من تعذيب، خرج بعده عاجزا عن المشى دون عكازات إلى أن أجريت له عمليتان جراحيتان لتغيير مفصل الحوض الذى بدأ التلف فيه كنتيجة للنوم على الأرض فى فترة الاحتجاز الطويلة. ولكن العامل الحاسم فى إتلاف عظامه كان الضرب الذى تلقاه عندما شكا للسجان من التعب الذى بدأ يصيب ساقيه.
كأى أم مصرية ربت هذه السيدة أبناءها على احترام حقوق الغير وعدم التعدى عليها. ربما كان هذا هو السبب فى إصرار الابنين على التصدى للقضايا الحقوقية. أحدها تصدى بتيشيرت، والآخر بإصراره على إنهاء دراسته كمحام والتقدم للدفاع عن المظلومين. إلا أن قلبها يتمزق لأنها تخشى أن يتعرض الابن الثانى لما تعرض له الأول من تنكيل. لك أن تعذرها، فالأمهات تحركهن العاطفة. وهى بالتأكيد لا تعلم مدى حرصكم على أداء الفرائض والعبادات، ومن المؤكد أنها لم تقرأ الكتاب الذى قرأته لتعرف أنكم تصلون الفرض عندما يستحق، وأنكم توقفون عربة الترحيلات لأداء الصلاة فى وقتها، حتى ولو كنتم فى عرض الصحراء.
لا تقلق. سنطمئنها.
كل عام وانتم وآلاف المحتجزين الذين لا نعرف أسماءهم بخير.
تقبل الله.. وعيد سعيد لكم وللأسرة ولكل أم تربى ابنها على احترام حق الغير.