من نماذج الأدب المصري في المهجر - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من نماذج الأدب المصري في المهجر

نشر فى : الأربعاء 24 يوليه 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يوليه 2024 - 8:05 م

خسر الأدب المصرى والعربى النسوى على مدى الشهور القليلة الماضية اثنتين من أهم الأديبات المصريات المقيمات فى بلاد المهجر بشكل عام وفى أوروبا على وجه الخصوص، وهما الراحلتان الكريمتان الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد. وهما وإن كانتا من المصريين المقيمين لسنوات طويلة فى سويسرا، فإن عطاءهما الفكرى والثقافى والأدبى امتد خارج حدود سويسرا ليس فقط إلى أوروبا، بل بالطبع إلى وطنهما الأصلى مصر وإلى أرجاء الوطن العربى الكبير، وكذلك إلى الغرب بمعناه الحضارى الواسع.
ولقد شرفت بمعرفة كليهما على مدى عدة عقود وعايشت عن قرب حجم التأثير الإيجابى الذى تركاه لدى الأوروبيين، سواء من الدوائر المهتمة بالثقافة والفكر والأدب على وجه الخصوص، أو على صعيد المواطنين الأوروبيين العاديين والرأى العام الأوروبى بصورة عامة، بالإضافة إلى تأثيرهما الفعال فى الدفاع عن قضايا الجاليات من ذوى الأصول العربية فى أوروبا، وفى المقدمة منها بالطبع الجاليات المصرية.
والحديث عن الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد يجب ألا يحصرنا فقط فى الحديث عن شخصيتهما اللتين أعجب بهما، وأعرب عن التقدير لهما كل من اقترب منهما وتعامل معهما، ولا أن يقتصر على إنسانيتهما البالغة التى تجلت لكل من عرفهما وصادقهما، فقد كان لهما رحمهما الله، سجل فريد ومشرف من العطاء فى مجال العمل العام على أكثر من صعيد وفى أكثر من ميدان، سواء كان ذلك فى وطنهما الأصلى مصر أو فى سويسرا، حيث استقرتا منذ أكثر من أربعة عقود أو فى بلدان أوروبية أخرى، وكذلك على امتداد الوطن العربى الكبير.
ولقد تنوعت عطاءات الراحلتين الكريمتين، حيث تضمنت كتبًا ودراسات ومقالات ومحاضرات ومشاركات فى مؤتمرات دولية أو أوروبية أو عربية أو مصرية مهمة تناولت دائمًا موضوعات تجمع ما بين كونها محل اهتمام واسع ومشترك لأبناء بلدان وثقافات وأديان مختلفة، وما بين كونها تحتاج للتعامل معها لمن تحمل الخبرات البحثية والأكاديمية والمعارف والمدارك الضرورية للتعمق فيها وتحليلها وتقديم الرأى فيها بشكل رصين ومتزن، مع الاحتفاظ بالبعد الفكرى والثقافى والحس الأدبى المطلوب فى مثل هذه الحالات. وقد تفوقتا فى ذلك باقتدار فى ضوء عمل الدكتورة فوزية العشماوى كأستاذة بجامعة جنيف لعقود متتالية متخصصة فى الأدب العربى والحضارة الإسلامية، ولشغل الدكتورة فوزية أسعد العضوية وتوليها لعدد من المناصب المهمة فى اتحاد الكتاب السويسرى. كما أنهما معًا كانتا من الأعضاء المؤسسين لكل من جمعية المصريين فى سويسرا والجمعية الثقافية المصرية السويسرية، بل إن الدكتورة فوزية العشماوى تولت فى مرحلة ما رئاسة الأولى. وقد ساهمت كلتاهما فى تعزيز أواصر العلاقات فيما بين أبناء الجالية المصرية والجاليات العربية فى سويسرا من جهة، وبينهم وبين بقية أطياف المجتمع السويسرى والمجتمعات الأوروبية الأخرى المجاورة من جهة أخرى.
كذلك كان من بين عطاء الأديبتين الكبيرتين الراحلتين الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد فى المجال العام تصديهما لتصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة عن المصريين وعن العرب كمجتمعات وشعوب وثقافة وإسهام حضارى فى إثراء مسيرة الإنسانية على مدى تاريخها، بما فى ذلك فى الأزمنة الحديثة، حيث إن بعض تلك المفاهيم المغلوطة ترسخ للأسف بمرور الزمن، وبفعل الدعاية المعادية للعرب أو بفعل بعض الكتابات ببعض المستشرقين الذين كانت لهم تحيزات مسبقة ضد العرب، فى وجدان وأذهان قطاعات من النخب المثقفة ومن المواطنين العاديين فى الكثير من البلدان غير العربية، خاصة فى سياق الغرب الحضارى، وبشكل أكثر تحديدًا فى أوروبا، حيث تعيش أيضًا أقليات لها وزنها ولها إسهاماتها فى نهضة مجتمعاتها، وهى قادمة من الوطن العربى الكبير، بما فى ذلك من مصر.
كذلك لعبت الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد دورًا مهمًا فى الدفع بقضايا حقوق المرأة إلى الواجهة، مع التركيز على أوضاع المرأة فى الوطن العربى، وتبيان الدور الكبير الذى لعبته المرأة على مدار التاريخ العربى فى كافة مناحى الحياة ونفض الغبار عنه، وفى السياق نفسه سعتا إلى تصحيح أيضًا لصورة المرأة العربية الموجودة لدى العالم غير العربى، خاصة فى الغرب، بسبب بعض الممارسات التى لا تمت للتراث الدينى أو الثقافى أو الاجتماعى الحقيقى بأى صلة، لكنها ما تزال تتم فى بعض المجتمعات العربية فى العصر الراهن.
وعلى نطاق أشمل ساهمت الدكتورة فوزير العشماوى والدكتورة فوزية أسعد فى إبراز حالة الحراك النابضة التى لا تزال تسرى فى أجساد المجتمعات العربية بالرغم من وجود سلبيات وإخفاقات هنا وهناك وأوجه جمود وإعاقة للتقدم فى بعض المجالات، وراهنتا دائمًا على إبراز الدور الفعال والإيجابى الذى يمكن أن يلعبه الشباب العربى، سواء الفتيان أو الفتيات، باعتبارهم الأمل الحقيقى فى الوصول إلى مستقبل مشرق للبلدان العربية، من خلال القيام بصياغة جديدة لإعادة بناء المجتمعات العربية على أسس تجمع بين الأصالة والمعاصرة لتحقيق توافق مبدع وخلاق بين مكونات التراث الدافعة للأمام ومكونات الحداثة المتفقة مع الثوابت الثقافية والحضارية العربية.
ولا يمكن إغفال الدور الكبير الذى لعبته كل من الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد فى إثراء الأدب المصرى والعربى من خلال عدد من الروايات والمجموعات القصصية والكتابات المتميزة والرفيعة فى النقد الأدبى على مدى أربعة عقود وأكثر، ما أهلهما لأن يعتبرهما الكثير من المعنيين بالشأن الأدبى والقصصى فى مصر والعالم العربى بأنهما امتداد حقيقى وعضوى لجيل الستينيات العظيم فى الأدب المصرى والعربى، والذى ضم الأساتذة الراحلين جمال الغيطانى وبهاء طاهر وجميل عطية إبراهيم. وهنا يتعين علينا أن نتذكر ان الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد كانتا لسنوات طويلة اثنتين ضمن كوكبة من الأدباء والمعنيين بالأدب المصرى الذين أقاموا فى مدينة جنيف السويسرية أو فى جوارها، مثل الأديبين الكبيرين الراحلين بهاء طاهر، والذى ترك جنيف واستقر فى القاهرة قبل وفاته بسنوات، وجميل عطية إبراهيم، الذى ترك جنيف واستقر فى مدينة بازل السويسرية حتى وفاته بها، وكذلك الأديب الكبير السفير محمد توفيق، والذى ترك جنيف عائدًا إلى القاهرة منذ سنوات، بسبب ظروف عمله، بصحبة زوجته الدكتورة أمانى أمين مؤسسة ومديرة موقع «منتدى الكتاب العربى» المعنى بمتابعة الأدب العربى بتنويعاته وتفريعاته المختلفة.
وفى ضوء كل ما تقدم من إسهامات أثرت الوجدان المصرى والعربى والسويسرى والأوروبى والإنسانى، كان من الطبيعى أن تحظى الفقيدتان الغاليتان الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد بالتكريم والتقدير أينما حلتا وأينما ظهر عطاؤهما الثقافى وإبداعاتهما الفكرية والأدبية، حدث ذلك على مستوى وطنهما مصر، كذلك حظيتا بأشكال عديدة ومتنوعة من التكريم والتقدير من جانب سويسرا وفرنسا والاتحاد الأوروبى وعدد من البلدان العربية.
وسوف تبقى ذكرى الدكتورة فوزية العشماوى والدكتورة فوزية أسعد حاضرتين فى وجدان الكثيرين ممن عرفهما شخصيًا أو عرف دورهما فى مختلف مجالات العمل العام أو إسهامهما الثقافى والفكرى والأدبى، سواء فى مصر أو فى سويسرا أو فى بلدان أوروبية وعربية أخرى.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات