منذ عدة أيام أرسل لى أحد الأصدقاء على جروب للواتس أب «بوست» لمذيع إخوانى يعيش فى الخارج، يقول إن مصر سلمت لإحدى الشركات الإماراتية قطعة أرض منذ عدة سنوات، وقامت تلك الشركة بزراعتها قمحا، وأن مصر تدفع بالعملة الأجنبية نظير استيراد هذا القمح بالاتفاق مع تلك الشركة.
وكالعادة قمت ببحث الأمر، ووجدت خبرا على موقع قناة العربية يوم 15 أغسطس الماضى مدعومًا من رويترز، تحت عنوان «مصر توقع اتفاق تمويل بـ 500 مليون دولار لشراء القمح من الزهرة الإماراتية على مدى 5 سنوات تبدأ من 2023»، ويقول الخبر إن الشركة التى تعمل فى مجال القطاع الزراعى ومقرها أبو ظبى أبرمت اتفاق شراكة مع مكتب أبو ظبى للصادرات لتزويد مصر بالقمح. ويضيف الخبر أن وزير التموين والتجارة الداخلية على المصيلحى ذكر أن الشراكة تشكل مرتكزًا أساسيًّا للجهود الهادفة لضمان الأمن الغذائى، وأن الدفع سيكون بتكلفة قليلة وشروط ميسرة. وأضاف الخبر أن الشركة الإماراتية تزود حكومة مصر بالقمح المنتج محليًّا عبر فرعها المصرى، والذى يزرع 70 ألف فدان. وبالانتقال إلى RT الروسية تحت عنوان «مصر ترد على أزمة شراء القمح بالدولار من الإمارات»، يقول الخبر: إن وزير التموين ذكر أنه لا يمكن ولا يجوز ما يتم ادعاؤه بشأن شراء مصر قمحًا محليًّا من شركة إماراتية بالدولار. وقال إن الشركة الإماراتية التى تزرع أرضًا فى توشكى لا يمكن الشراء منها بالدولار عبر تمويل من صندوق أبو ظبى للتنمية. وذكر يجب أن نحترم تفكير الجميع، وللجميع أن يشك فى أى شىء، ولكن علينا التوضيح بأننا «سنستلم منها (أى من الشركة الإماراتية) القمح مثلما نستلم من فلاحينا بالعملة المحلية».
وذكر مساعد وزير التموين لذات المصدر، أن القرض المزعوم بقيمة 500 مليون دولار من الإمارات صحيح، لكنه لشراء أقماح مستوردة فعلا، بقيمة 100 مليون دولار على 5 سنوات، أما القمح المنزرع فى مصر إماراتيًّا فسيشترى بالعملة المحلية. وهكذا يتبين كذب المصدر الإخوانى فى مسألة الشراء بالدولار تحديدًا.
بطبيعة الحال، لا أحد يعترض على الإطلاق فى قيام مصر بشراء القمح المحلى، وإن كان منزرعًا بأيدى غير مصرية. إذ ليس من المطلوب أن تأخذ مصر القمح من الشركة الإماراتية الخاصة بالمجان، حتى لو كان من يزرع القمح حكومة الإمارات ذاتها. لكن يبدو العجيب فقط فى تضارب كل ذلك مع تبريرات سابقة بصعوبة زراعة القمح بكثافة فى مصر. ومن ثم كثرة الحديث عن أن الخلاص من أزمة القمح فى مصر، لا تبدو قريبة. لأن القمح إذا زادت مساحته الزراعية ــ كما يدعى القائلون بصعوبة الاكتفاء الذاتى ــ سوف يحتاج لكم هائل من المياه لا قبل لمصر بها، لذلك فإن استصلاح أراضٍ يجب أن يتم عقبه زراعة محاصيل موفرة لاستهلاك المياه، والقمح من المحاصيل المتوسطة فى استهلاك المياه، فهو ليس كالزيتون والنخل اللذين يتحملان الجفاف، وليس كالأرز أو القصب وهما من المحاصيل الشرهة للمياه. ومن ثم فإن هناك أهمية كبيرة لإعادة النظر فى هذا التفكير، خاصة وأن القمح من المحاصيل التى تحتاج منذ زراعتها وحتى ضمها إلى أربع ريات مشعبة فقط.
السبب الثانى الذى يساق بغرض عدم زراعة القمح هو أن كثرة زراعته وبسبب ضيق المساحات المستصلحة ستأتى حتمًا على حساب المحاصيل الأخرى كالبرسيم، الذى يشكل العنصر الحيوى لعلف الحيوان خلال فصل الشتاء والربيع، ومن ثم ستكون زراعة كمية معتبرة من القمح، والحد من أزمة الاكتفاء الذاتى من القمح، إلا على حساب تصدير أزمة أعلاف ممثلة فى قلة زراعة البرسيم.
بعبارة أخرى، كل المبررات التى تدفع مصر لشراء قمح من الإمارات منزرع محليا، تبدو غريبة، وكل الأسانيد التى تفند حجج عدم التوسع فى زراعة القمح بمصر تبدو فى حاجة إلى إعادة النظر. فالإمارات قامت ونجحت فى تحقيق ذلك بسواعد مصرية، وبمياه مصرية، وتم كل ذلك فى أرض مصر. إذن ما العجب فى أن تقوم مصر بتكرار الفكرة وتطور زراعتها وتتوسع على وجه الخصوص فى زراعة القمح. هذا الأمر بالفعل يحتاج إلى وقفة مهمة؛ لأنه من الهزل القول أن الشركة الإمارتية ستبيع بالخسارة. الموضوع فقط يحتاج إلى إعادة توجيه الاستثمارات الزراعية فى البنية التحتية، وهل يوجد أفضل من اعتبار الاكتفاء فى الغذاء واستصلاح الأراضى من قبل الحكومة المصرية بنية تحتية؟