رءوف توفيق ورشدى أبو الحسن تركا أكثر من أثر - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رءوف توفيق ورشدى أبو الحسن تركا أكثر من أثر

نشر فى : الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 7:55 م

لسوء الحظ شهد الأسبوع الماضى موت علمين كبيرين من أعلام الصحافة المصرية هما الناقد السينمائى رءوف توفيق والثانى هو الكاتب رشدى أبوالحسن وأحسب أنهما من رموز التنوير فى ثقافتنا المعاصرة، وقد لعبا معا أدوارا مهمة فى تثقيف أبناء جيلى، والمفارقة أنهما عملا معا فى مجلة (صباح الخير) التى كانت مدرسة للقلوب الشابة والعقول المتحررة وصاغت كثيرا من القيم والأفكار التى لم يعد لها وجود فى زمننا الراهن. وكما مات طه حسين وقبله الفنان سعيد العدوى فى ذروة الانشغال بأخبار حرب أكتوبر، فلم يلتفت لموتهما أحد بالقدر الذى يستحقانه من تقدير، مات رءوف توفيق ورشدى أبوالحسن فى ذروة الانشغال بما يجرى فى غزة من مذابحنا بحق شعبنا الفلسطينى وفى هدوء يلائم خياراتهما فى الحياة. وعلى الرغم من شهرة الأول كناقد ومؤلف سينمائى متفرد، فإنه لم يكن من هواة الوجود فى المهرجانات والتقاط الصور مع النجوم والنجمات، رغم أنهما كتب أفلاما مهمة مثل (مستر كاراتيه) و(زوجة رجل مهم) بعذوبته المفرطة وانحيازه المتفرد للنموذج الرومانسى فى زمن التحولات.
لكنه عاش فى هدوء لا يختلف عن الهدوء الذى عاشه زميله رشدى أبو الحسن الذى كان يوجد فى الأماكن والأحداث لأسباب مهنية تلبى خياراته المتنوعة وظل يتحرك مع مجموعة معروفة لم تتغير وكانت تضم الناقد مصطفى درويش والسفير شكرى فؤاد وبعض الزملاء من أجيال مختلفة عاملته بما يليق بشيخ طريقة.
لم أعرف رءوف توفيق ولم اتقابل معه فى أية مناسبة لكنى عرفت مقالاته فى عمر مبكر وربما وأنا طالب فى الاعدادية مع اكتشافى لمجلة (الدوحة) وقت أن كان يرأس تحريرها أستاذنا الراحل رجاء النقاش وقد منحتنا المجلة فى سنوات التأسيس ما لم يمنحه لنا أحد وظل رءوف توفيق يكتب فيها مراجعات نقدية للأفلام المعروضة وبفضله اكتشفت أفلام الثمانينيات وعرفت كتبه (السينما تقول لا) وسينما الحقيقة واشتريتهما معا من مكتبة روز اليوسف فى شارع قصر العينى وقد ذهبت اليها لأجل أن آراه ولم أوفق فى ذلك، كما لم أوفق بعدها بسنوات فى اللقاء مع الاستاذ علاء الديب الذى صار شيخى بعدها بسنوات. قادنى اكتشاف (صباح الخير) لقراءة كتابات نجومها الساطعين على اختلاف المراحل العمرية وكنت أقرا المجلة من الجلدة للجلدة ليلة صدورها وتعلقت بها تعلقا كبيرا وكنت أحفظ أسماء كتابها عن ظهر قلب وأبرز هؤلاء الراحل رشدى أبو الحسن الذى أسعدنى زمانى بالتعرف عليه من خلال صديقى الراحل حامد العويضى وكان بلدياته من (قوص) التى تبتعد عن مسقط رأس أبى فى (دشنا) نحو نصف الساعة ولذلك شعرت بأن ما يجمعنى به أكثر من المهنة ويمتد إلى ألفة الأقرباء ولم يحدث أبدا أنا التقيت به ولم أجد فى روحه الحماس الذى يليق بما تلقاه من شعر على يد صديقه الراحل الشاعر الكبير فؤاد حداد صاحب الحكمة القائلة (الشمس صنعتها تشمس والقلب صنعته يتحمس) أجمل ما فى رشدى أبو الحسن أنه كان من بين هؤلاء الذين يترجمون بالسلوك ما فى هذا البيت من معانٍ، فقد امتلك قلبا يفيض بالكثير من الحماس، ورغم قسوة التحولات لم ينكسر أبدا أمام تقلبات الزمن وظل يؤدى ما عليه تجاه زملائه الأصغر من أمثالى ويلعب الدور الأهم فى إرشادهم إلى ما ينبغى عليهم معرفته واكتشافه، وكنت فى بدايات تعارفنا أهاتفه كثيرا أسأل عما يستغلق علىّ من دلالات فى شعر فؤاد حداد الذى كان شيخ طريقته وبوصلته ودائما ما وجدت لديه ما أبحث عنه. وحين أتيح لى التعرف على ابنه الصديق جمال أبو الحسن قبل سنوات وكان لا يزال طالبا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تمنيت من قلبى لو بلغ أحد من أبنائى ما لديه من ثقافة ورجاحة عقل كانت بادية عليه.
والحمد لله لم يخب ظنى فيه أبدا وواصل بعدها تألقه فى عمله الدبلوماسى وفى كتاباته الصحفية وفى مؤلفه الأول (300 ألف عام من الخوف) الذى كشف عن ثقافة موسوعية نادرة وأسعدنى جدا يوم أن أهدانى مذكرات والده التى صدرت بعد جائحة كورونا عن دار ميريت وكانت بعنوان (55 سنة صحافة) وقد كتبت عنها هنا عند صدورها معربا عن سعادتى بما تمثله من كنز معلوماتى فريد عن جيل الكبار الذين صنعوا مجد (صباح الخير) وكانوا جميعا من حملة الأفكار ولم يكونوا (أرزقية) يبحثون عن ثروة أو جاه لكنهم يؤدون الرسالة ويحملون أمانة توعية الناس.
وأجمل ما فيها وصفه لأسباب تركه لأخبار اليوم فى شبابه حين وجد رئيسه الجديد وكان صحفيا شهيرا يخبره بصريح العبارة أن رئيس التحرير ليست مهمته الاهتمام بالمواد التى يكتبها الآخرون بل إن مهمته الوحيدة هى الاهتمام بنفسه وبكتابته.
وبعد هذا الدرس غادر إلى «صباح الخير» مع صلاح حافظ وتورط فيها إلى الأبد وغرق لشوشته فى مدرسة الهواء الطلق كما كان يسميها أستاذى الراحل كامل زهيرى وأصر طوال حياته على شم الهواء النظيف الذى جعل لحياته هذا المعنى الذى يجعل من وداعه مناسبة لتذكر قيم وسلوك ارتبطت بفرد ترك فينا أكثر من أثر.