تتباين الروايات لكنها تجمع على أن محاولة تغيير مصباح فى كابينة عرض قناع الملك توت عنخ آمون الذهبى فى المتحف المصرى، انتهت إلى فصل ذقنه. وأن محاولة ساذجة لإعادة الذقن إلى مكانها جرت أمام الزوار، باستخدام اللاصق المعروف فى مصر باسم «أمير ألفا». النتيجة كانت فضيحة دولية تناقلتها وكالات الأنباء. خاصة مع ما أشيع من أن اللاصق الذى تصعب إزالته سال على التمثال وجف، وهو ما قرر المرممون إزالته باستخدام آلة حادة، سمعنا فى إحدى الروايات أنها مشرط وفى آخرى أنها ملعقة.
تركت محاولة الإصلاح مسافة بين الذقن وبين القناع تجمد فيها اللاصق المائل إلى الاصفرار، وتسبب المشرط فى حفر خدوش لن تزول، على سطح القناع النادر الذى حير الأثريين على مدى القرون بجمال صنعته المبهر.
وتروى قصة أخرى حادثا وقع منذ أيام نقله مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الجماهيرى. المقطع ليس الأبشع فى تفاصيله إلا أنه عميق الدلالة. ويظهر فيه سائق سيارة أجرة، وقف ذليلا وقد كبلت يداه بقيد حديدى «كلابشات» أوثق فى حزام أمان سيارته. وعلى بعد خطوات نرى الضابط الذى أوثقه ينفث دخان سيجارته فى تعالٍ واضح وتجاهل تام لما يصرخ به المتجمهرون المطالبون بالحرية للرجل. جريمة السائق النكراء، كانت الاحتجاج على الضابط الذى كان يقود سيارته فى عكس اتجاه السير، وهو يرتدى ملابس مدنية.
حدث هذا قبل أيام من ذكرى الثورة التى قامت بسبب مثل هذه الممارسات. ورغم الاختلاف حول تقييم ثورة يناير وشخوص ثوارها بين أنصارها والمناوئين لها، إلا أن الإجماع منعقد على أنها كانت رد فعل لإحساس متنام بالقهر والظلم بسبب ممارسات الشرطة، وأن من ثاروا رأوا فى حادث قتل شاب اسمه خالد سعيد تلخيصا لما يشكون منه. لهذا وليس لأى سبب آخر اختير عيد الشرطة ليكون موعد الهبة ضد الظلم والانتهاك،
على مدى أسابيع فاض غضب المحتجين فى الشوارع والميادين وكانت الكرامة الإنسانية ورفض الانتهاك والقمع والتعذيب، المحرك الرئيسى للجموع المحتشدة فى الميادين منذ اللحظات الأولى، وستظل الكرامة المنتهكة هى الجرح المفتوح الذى يهيج الألم، كلما صدرت التقارير التى ترصد حالات التعذيب، والاعتقال، واحتجاز الأبرياء والأطفال، وتحكى قصص الموت فى أقسام الشرطة وزنازين السجون.
الانهيار الذى حدث فى علاقة الشعب بأجهزة حمايته، ورغم مرور السنوات، لا يبدو ملحوظا من قبل المسئولين عن ترميمه. والمنطق الذى حكم تعاملنا مع قناع توت عنخ آمون هو ذاته الذى استخدم فى التعامل مع الفجوة بين الشعب الشرطة. لم نتعلم الدرس واخترنا أن نعالج المشكلة بـ«التلزيق». بالشعارات والخطب والمسكنات الوقتية. تجاهلنا ضرورة إصلاح وتأهيل القائمين على منظومة الأمن والعدالة وفضلنا ملء الفجوة بالأغانى وتجاهل المشكلة برمتها إلى حد القول بأن «عيد الشرطة وثورة يناير مناسبتان عظيمتان شاءت الأقدار أن تتشاركا فى يوم واحد».. بالمصادفة!
«التلزيق» ليس علاجا. ورأب الصدع المتزايد فى علاقة الشرطة وأجهزة الأمن والحماية بسبب الانتهاكات والممارسات القمعية، يتم بالشفافية والإصلاح وليس باستخدام أمير الفا. درس المتحف المصرى واضح، واستخدام المشرط فى إصلاح ما أفسده المرممون، سيترك آثارا.. لن يمحوها الزمن.