لم أكن أرغب فى التعليق على فيلم «أصحاب ولا أعز»، الذى أثار عاصفة من الجدل، قيل فيها كل شىء تقريبا، من المؤيد الذى ينتصر لحرية الإبداع إلى المعارض الذى يلوذ بالدين والتقاليد، ولكن ما دفعنى حقيقة للتوقف أمامه هو ظهور نائب فى مجلس النواب من حزب النور فى أحد البرامج التلفزيونية يرفض، وينتقد الفيلم، وهذا حقه، لكنه يتوعد باستخدام أدوات برلمانية تجاه هذا العمل الفنى، وعندما ذكره المذيع بأن الجهة المنتجة له ليست مصرية، ولم يُصور فى مصر، ولم يُعرض فى أى من سينماتها، بادر إلى المطالبة باتخاذ إجراءات لحظر المنصة التى أنتجت الفيلم، وتوعد بملاحقة الفنانين المصريين المشاركين فيه.
ومن أمانة النائب البرلمانى أنه ذكر فى تعقيبه أنه لم يشاهد الفيلم، فقط سمع عنه، واطلع على أوجه النقد له، فأصبح الأمر معلوما لديه، واتجه إلى مواجهته. وأظن أن حال هذا النائب هو حال الكثير من الذين انتقدوا الفيلم، رغم أنهم لم يشاهدوه، وأظن أن الكثير من الأعمال الفنية التى أثارت غبارا فى الساحة العامة فى العقود الماضية تعرضت للهجوم من شخصيات لم تشاهدها، فقط سمعت عنها أو تحركت بإيحاء من آخرين.
لا أعرف سر غضب البعض إلى حد استدعاء الدين والأخلاق والتقاليد ضد عمل فنى، لم يقدم جديدا فى عالمنا العربى، وما جاء بالفيلم يعج به واقعنا، سواء من حكايات عن الخيانة أو المثلية الجنسية أو ما شابه، ولم يعرض الفيلم ما يخدش حياء الناس بمشاهد، لكنه عباره عن «حكى» على طريقة «يُحكى أن»، فى حين أن هناك أفلاما سينمائية، انتجت وعُرضت فى مصر، قدمت صورا أكثر وضوحا للخيانة الزوجية أو المشاهد العاطفية أو حتى المثلية الجنسية، وبعضها ذهب إلى محافل فنية دولية، وحصد جوائز. وبالمناسبة ليس معنى أن يناقش عمل فنى انحرافا فى المجتمع أنه يروج له، وإلا لكانت كل الأفلام السينمائية تروج للمخدرات، والدعارة، والخيانة، والسرقة والقتل، الخ.
أظن أن ما يخدش الحياء العام هو ما يحدث فى الواقع وليس فى فيلم سينمائى ليس متاحا مشاهدته أمام كل أحد. ألم نرَ كمَّ الجرائم، بل المهازل الأخلاقية التى تحدث فى المجتمع كل يوم، أظن أن ما نعلمه منها قليل، والكثير منها، للباحث والمهتم بالشأن العام، موجود فى محاضر الشرطة، وتحقيقات النيابة العامة. والغريب أن هناك من يظن أن بالإمكان أن نحجب الناس عن العالم الخارجى فى ظل التطورات العالمية فى مجال تكنولوجيا الاتصال، نتخير لهم ما يشاهدون، وما لا يشاهدون، وما يقرأون وما لا يقرأون فى حين أن العالم يتجه أكثر فأكثر تجاه الفضاء الإلكترونى، نتيجة تحدى وباء كورونا. ذكرنى ذلك بالمقولة الشهيرة التى كنا نسمعها منذ نعومة أظافرنا «تحصين الشباب ضد الأفكار الوافدة»، كنا نسمعها عندما كانت الأفكار الوافدة تأتى فى مواد مقروءة، ومرت الأيام، وفشلت كل محاولات التحصين، وصار المجال الكونى مفتوحا أمام حركة البضائع والفيروسات والأفكار أيضا! ليس هذا فحسب بل إن أشد ما ضر مجتمعنا ليس الأفكار الوافدة، ولكن فى الأساس أفكار التطرف والإرهاب، المصنعة محليا أو إقليميا، وأصابت الثقافة العامة بمسحة من الكآبة والعنف والتخلف بشكل غير مسبوق.
أبواب العالم فتحت على مصراعيها، ولن يتمكن أحد من أغلاقها، ولكن الأصوب أن نعلم الأجيال الشابة، من خلال التعليم والثقافة والتدريب، كيف يحافظ على ثقافته وقيمه وسط هذا الانفتاح الكونى، بحيث تزداد معرفته، وترتفع حاسة النقد والانتقاء والاختيار لديه.