طبقا لتقرير الطب الشرعى، ربما كان ما فعله قتيل الإسكندرية خالد سعيد بابتلاعه كيسا مملوءا بالبانجو تسبب فى موته مختنقا هو أول محاولة من نوعها فى التاريخ يقوم بها «مدمن مخدرات» للهروب من المخبرين.. ولا أحد يدرى لماذا لم يلق بالكيس فى الهواء بدلا من ابتلاعه؟.. واين كان البانجو بالضبط حينما كان المخبران يسحلان «خالد» على أسفلت الشارع بعد أن انتهيا من حفلة ضربه باللكمات والصفعات، هل كان فى جيبه أم أنه كان قد ابتلعه بالفعل؟..
ولماذا استمر المخبران فى ضربه بعد ان توقف عن التنفس بعد انسداد قصبته الهوائية بكيس البانجو كما جاء فى تقرير الطب الشرعى؟ فحفلة الضرب استمرت عدة دقائق، فى حين ان خالد كان قد مات بعد دقيقة واحدة من انسداد قصبته الهوائية بالبانجو؟
مثل هذه التساؤلات تثير الشكوك فى التقرير، وكان من الممكن ان نصدق تماما كل حرف فيه وأن خالد مات بالفعل بكيس بانجو.. لولا أن التقرير ذكر أن الإصابات الموجودة على جثته بسيطة ولا تؤدى إلى الموت، وانها جاءت بسبب اصطدامه بجسم صلب أو بمقاومته لرجال الشرطة أثناء القبض عليه، وهو ما يتنافى تماما مع شهادة الشهود الذين أقسموا انه تعرض لاعتداء وحشى من المخبرين أعقبه عملية سحل لا تقل وحشية وهمجية..!
ما يجعلنى أميل إلى التعاطف مع شهادة الشهود هو هذا العنف الذى تمارسه الشرطة ضد الطلاب والنشطاء السياسيين خلال الوقفات الاحتجاجية السلمية التى ينظمونها فى شوارع المدن الكبرى فى العديد من المحافظات وهى حقوق يكفلها لهم الدستور.. ومع ذلك فالشرطة تتعامل معهم وكأنهم طابور خامس من الخونة والأعداء لابد من الفتك بهم والقضاء عليهم.. وهى تصرفات تكشف فورا زيف كل الشعارات الديمقراطية التى يرفعها النظام، وتسىء قبل ذلك لجهاز الشرطة، وتمرمغ سمعته فى التراب، وتحيله إلى جهاز قمعى يثير الفزع بدلا من ممارسة وظيفته الأصلية فى الحفاظ على الأمن والأمان.
الكرة الآن فى ملعب اللواء حبيب العادلى الذى ينبغى ان يفتح تحقيقا أمينا ونزيها فى واقعة وفاة خالد سعيد، وتوقيع عقوبات رادعة ضد المخبرين اللذين تسببا فى وفاته، إذا ثبت ذلك، من أجل فتح صفحة جديدة فى علاقة الشرطة بشباب هذا الوطن الذين سيواصلون بالقطع مسيرة المظاهرات ومسيرة البانجو.. طالما استمرت حكوماتنا فى سياساتها الراهنة، دون ان تعطيهم أملا فى تغيير واقعهم البائس!