مع تراجع التوقعات بحدوث أى انفراجة اقتصادية ترفع من مستوى معيشة ملايين المصريين، بدأ الحديث عن مجاعة قادمة يأخذ طريقه على استحياء بين بعض الاقتصاديين، خاصة مع الارتفاع المستمر فى الأسعار، وانهيار قيمة الجنيه أمام كل العملات الأجنبية، وفرض ضريبة القيمة المضافة، التى وصفها احد نوب البرلمان بأنها نوع من «الجباية» غير المبررة، بالإضافة إلى وصول الدين المحلى لأكثر من 2,5 تريليون جنيه، والدين الخارجى إلى 53 مليار دولار، وارتفاع معدلات التضخم وزيادة نسب البطالة.
الكثير من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون مستقبلا اقتصاديا مظلما، أحدهم هو د. وائل النحاس الذى قال منذ شهور إن الدولار سيصل إلى 12 جنيها بسبب السياسات الخاطئة للبنك المركزى، يؤكد بعد تحقق توقعاته أن مصر ستعلن افلاسها أمام العالم وستبدأ فى مرحلة المجاعة بين المواطنين؛ ولن تكون هناك رواتب حتى للموظفين الحكوميين!
وفيما يشبه استدعاء لتجربة الخديو اسماعيل استمر النحاس فى توقعاته المتشائمة، مؤكدا ان الدول الدائنة ستدير شئون مصر الاقتصادية وستفرض عليها النظام الذى تراه فى حركة تجارتها الخارجية وفى إدارة قناة السويس وتحديد سعر الجنيه وسعر الفائدة وأسعار السلع والخدمات والضرائب، بل تستطيع أن تفرض عليها مقدار الرواتب والأجور المستحقة للموظفين وربما أجبرتها على سن قوانين تمكنها من الاستغناء عن بعض موظفيها توفيرا للنفقات وغير ذلك من وسائل الحد من الإنفاق الحكومى مثل رفع الدعم وإلغاء التأمين الصحى والتكافل الاجتماعى.
قد لا يتسع المجال هنا لاستعراض جميع الآراء المحذرة من شبح الإفلاس والمجاعة، وقد تكون بعضها قد وقعت فى فخ المبالغة، خاصة ان أحد هؤلاء الاقتصاديين توقع كارثة مالية فى شهر نوفمبر المقبل، ومع ذلك فإن حديث الأرقام التى تنطلق منه هذه الآراء، قابلته الحكومة بتجاهل تام، لم يكلف رئيسها أو أحد وزرائه فى المجموعة الاقتصادية نفسه عناء الرد عليها، فى الوقت الذى تبذل فيه هذه الحكومة كل الألاعيب الممكنة لزيادة موارها المالية من جيوب الفقراء ومحدودى الدخل، برفع أسعار السلع والخدمات بنسب فلكية، وزيادة الضرائب بشكل هيستيرى، مع اتجاه لتخفيض الدعم عن الكهرباء والماء والوقود.
تأتى كل هذه الأزمات الاقتصادية بعد عامين فقط من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، والذى قال خلال حملته الانتخابية للترشح للرئاسة، إن الأوضاع فى مصر بعد عامين فقط ستكون أفضل كثيرا، مع وعود كانت شديدة الطموح باستصلاح 4 ملايين فدان، وإنشاء 26 مدينة ومركزا سياحيا و8 مطارات جديدة و22 مدينة صناعية، بتكلفة نحو 140 مليار دولار، وهى الوعود التى تلتها عقد المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، والذى اعلنت الحكومة خلاله توقيع عقود ومذكرات تفاهم على مشاريع تتعدى 200 مليار دولار، ستجعل مصر جنة الله فى أرضه، ولكنها تبخرت كلها فى الهواء!
نحن نحتاج الآن إلى مصارحة حكومية كاملة بحقيقة أوضاعنا الاقتصادية المتعثرة، وفتح النقاش العام حولها فى مناخ ديمقراطى لا يتوافر إطلاقا فى أوضاعنا الراهنة، وهو الحل الوحيد لمواجهة كارثة متوقعة، خاصة أن النظام لن يستطيع الاستمرار فى تحميل الفقراء ومحدودى الدخل فشله فى سد عجز الموازنة، وتخفيض معدال البطالة، وتحقيق وعوده الوردية بتحسين مستوى المعيشة، فهنالك فاتورة باهظة التكاليف من التوترات الاجتماعية، ستصاحب هذه الأزمات الاقتصادية، ستجعل مصير البلد كله فى مواجهة مع المجهول!