إذا صدقنا رواية وزارة الداخلية التى تقول إن عناصر إخوانية كانت تقف وراء اعتصام أمناء الشرطة بمحافظة الشرقية، والذى كان مرشحا للتصاعد ليضم آلاف الأمناء فى كل محافظات مصر، فإننا نكون أمام «فضيحة أمنية» مكتملة الأركان، لا يكفى لعلاج آثارها إقالة وزير الداخلية وحده، بل ينبغى محاكمته هو وكل القيادات الكبيرة بالوزارة، لاكتشافهم المتأخر جدا أن جماعة الإخوان الإرهابية اخترقت الوزارة، ونجحت فى تجنيد عناصر شرطية تعمل لحسابها، وتنفذ أجندتها، وتتاجر بمطالب أمناء الشرطة، لضرب النظام فى أعز ما يملك الآن وهى مؤسسته الأمنية!
ومع ذلك، فقد جاءت «النهاية السعيدة» لأزمة أمناء الشرقية بفض اعتصامهم، وإمهال الحكومة حتى 5 سبتمبر المقبل لتحقيق مطالبهم، لتشكك فى جدية اتهام الوزارة للأمناء بأن هناك أصابع إخوانية وراء اعتصامهم، بدليل أن عددا من مساعدى الوزير اجتمعوا مع ممثلى هؤلاء الأمناء بمقر محافظة الشرقية، واتفقوا معهم على فض الاعتصام، بدون أن يشير الطرفان لسيرة الإخوان من قريب أو من بعيد.
هذا التضارب فى مواقف الداخلية من الاعتصام يثير العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا الاعتصام وأبعاده وخفاياه، فهل اضطرت الوزارة لغض الطرف عن «ضرب» هذه العناصر الإخوانية حتى لا تحدث مواجهات عسكرية بين قطاعاتها الأمنية المختلفة، خاصة أن عناصر الأمن المركزى حاولت بالفعل فض الاعتصام بالقوة؟ وإذا كان هذا صحيحا فما هى بالضبط حدود هذه «الغزوة الإخوانية» لوزارة الداخلية؟!.. وهل اقتصرت على أمناء الشرطة فقط، أم أن هناك خلايا إخوانية نائمة تتواجد فى قطاعات أخرى بالوزارة؟!
لا أحد يتوقع ردا شافيا وسريعا من الداخلية على هذه الأسئلة، وبصراحة ينبغى إعطاء الوزارة الوقت الكافى لإجراء تحقيقات داخلية لكشف أبعاد وأسرار ما حدث، وإثبات صحة روايتها بوجود أصابع إخوانية فى اعتصام الأمناء، وفهم سر عجز أجهزة الأمن الوطنى عن اكتشاف هذه الأصابع قبل ان تندلع هذه الأزمة، لكن ما ينبغى أن تطرحه الداخلية بوضوح على الرأى العام الآن وليس غدا، هو موقفها من قانون التظاهر، ولماذا تطبقه بحسم على فئات بعينها، وتتجاهل تطبيقه على الأمناء؟
اعتصام الأمناء ينبغى أن يعيد من جديد المطالب الداعية لإعادة هيكلة الوزارة، وتطهيرها من الداخل، وفرض قواعد ديمقراطية تعمل بها عناصرها، تحترم بمقتضاها حقوق الانسان وتحفظ كرامته حتى لو كان مدانا أو مجرما، وأن تغير العقلية الاستعلائية التى لا يزال يتعامل بها معظم ضباطها مع ملايين المصريين من البسطاء والفقراء، والتى راح ضحيتها عدد من المسجونين داخل بعض اقسام الشرطة فى ظروف غامضة، قيل انهم لقوا حتفهم جراء حفلات تعذيب تعرضوا لها داخل هذه الأقسام.
المؤكد أن هذه الهيكلة لن يمكن تحقيقها إلا فى مناخ ديمقراطى حقيقى، يخفف القبضة الأمنية على جوانب حياتنا المختلفة، ويصون الحقوق السياسية للجميع وعلى رأسها الحق فى التظاهر، وإلا فإننا سنظل نسمع حكايات عن اصابع إخوانية تعبث هنا أو هناك فى قطاعات الدولة، وستطول معاركنا مع التنظيمات الإرهابية، وستستمر المظاهرات الفئوية تطل برأسها بين الحين والآخر.. باختصار سنظل ندور فى حلقة مفرغة، لن نحقق خلالها أى شعار من شعارات ثورتى يناير ويونيو!