يبدو للكثيرين، وأنا منهم، أن مجتمعنا يوشك أن يفقد آخر برج فى عقله.. فنحن نخوض منذ أكثر من أسبوعين معارك طاحنة حول النقاب، وكأنه لم يعد يتبقى من مشكلاتنا إلا هذا الملف الخطير الذى سيؤدى إهمالنا له إلى انهيار الفضيلة وانتشار الفجور وامتلاء الملاجئ بأولاد السفاح..!
بعض المتشددين انتهزوا فرصة تعنيف شيخ الأزهر لفتاة صغيرة أمرها بخلع النقاب، وأعادوا التأكيد على أن زى المرأة الشرعى هو الذى يغطى جسمها كاملا، ويؤكدون أن فتحة واحدة فى النقاب تكفى لأن بعض النساء أسأن ارتداءه، ووسعن فتحة العينين وكشفن جزءا من الجبهة، وطالبوهن بأن تكون الفتحة على قدر العين اليسرى فقط ــ وليست اليمنى ــ لأن الوجه هو محل الفتنة ومشعل الرغبة.
على الجانب الآخر، هناك من يقول: إن الحجاب نفسه ليس فريضة، وإن القرآن لم يقل مثلا: «يأيتها المؤمنات فرض عليكن الحجاب»، مستندين إلى أن القرآن عندما يفرض فرضا فإنه يفرضه صراحة، خاصة إذا كانت القضية مهمة مثل الحجاب، كما يقول مؤيدوه.. وهم يفسرون آية الخمار بأن المقصود منها هو تغطية العنق وفتحات الصدر فقط وليس الشعر أو الوجه، أما آية الجلابيب فإنها كانت تستهدف تمييز الحرائر من نساء المسلمين عن غيرهن حتى لا يتعرض لهن المشركون بالأذى خلال ذهابهن للخلاء.. ويستند هؤلاء إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب ضرب جارية لأنها تقنعت رغم أنها كانت مسلمة..
غير أن غالبية العلماء مع كشف الوجه واليدين فقط ــ رغم أن بعضهم أيضا قال إن بطن اليد عورة!.. لكن الشاهد أنه لا الحجاب ولا النقاب كافيان لمنع الرذيلة، فالكثير من المجتمعات تفرض النقاب ولم يمنع ذلك من لقاءات سرية يدبرها الشيطان.. كما يشهد كورنيش النيل على عشرات المحجبات اللاتى يرتدين الجينز ويعشن قصص حب ملتهبة بالهمسات واللمسات دون زواج ولا حتى خطوبة!!
كان الأولى بعلمائنا الذين يبذلون جهدا مشكورا فى التنقيب داخل كتب واجتهادات الفقهاء الأسبقين ونقلها إلينا، أن يبذلوا جهدهم الأكبر فى مواجهة الفساد والطغيان والفقر والبطالة، والمساهمة فى بناء مجتمع يوفر الرخاء لأبنائه وبناته ويواجه المشكلات التى فاقمت من ظاهرة العنوسة، بعد أن تعدى 50٪ من شباب مصر وفتياتها سن الـ35 دون أى أمل فى الزواج!
وإذا كان الواقع يثبت أن الحجاب وحده لا يكفى لمنع الرذيلة، فنحن لا نحتاج إلى علماء يتنافسون فى التضييق على خلق الله بفتاوى قديمة، وكثير منهم يشهرون سلاح التكفير ضد كل من اعترض على طريقتهم فى فهم كتاب الله وسنة نبيه.