سوريا العيد بلا هدنة - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا العيد بلا هدنة

نشر فى : الخميس 25 أكتوبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 25 أكتوبر 2012 - 8:00 ص

لم تكذّب مبادرة الاخضر الابراهيمى توقعات الذين حسموا بأنها لن تنجح فى عقد هدنة خلال ايام عيد الاضحى. اطلق عليها النظام السورى رصاصة الرحمة عندما رفض الرئيس الاسد البحث اصلا فى الموضوع خلال لقائه المبعوث الاممى والعربى. ولم تجرؤ قيادة المعارضة المسلّحة على الاقدام على مغامرة الاعلان عن التزامها بالهدنة من طرف واحد ولو لاحراج النظام او منح الشعب السورى بصيص امل ولو لبضعة ايام.

 

هل يجب التسليم بكل بساطة بأن البلد الذى لم يعرف يوم هدنة واحدا فى نزاعه الدموى خلال سنة وثمانية اشهر لن يعرف الهدنة لايام معدودة لمناسبة عيد الاضحى؟ اى هل يجب التسليم من دون استهوال بأن هذا الشعب محكوم بتقديم المئات من الاضاحى البشرية مجددا خلال ايام العيد؟

 

عندما كان على النظام السورى التعاطى مع وسطاء يقترحون بدء مسيرة الحل السلمى، كان يشدد على وقف اطلاق النار اولا. هذه المرة تجنّب المبعوث الاممى والعربى اثارة موضوع وقف اطلاق النار، الذى يأتى فى رأس قرارات المؤتمرات والهيئات الدولية والذى وافقت عليه السلطات السورية فى كل المناسبات. اقترح الاخضر الابراهيمى مجرد هدنة من بضعة ايام على امل البناء عليها، بحسب قوله. فجأة الجواب: الاولوية للحل السياسى. والمقصود: الاولوية للحل العسكرى.

 

●●●

عن قصد او عن غير قصد، وفّرت مهمة الوسيط الاممى والعربى الجديد، مثلها مثل سائر مهمات الوساطة، مهلة جديدة من بضعة اشهر لتمرير الوقت المستقطع خلال الانتخابات الأمريكية ولمنح النظام السورى فرصة جديدة لتحقيق ما يسميه «الحسم».

 

والمراقب للمواقف العربية والاقليمية والدولية لا يسعه الا ملاحظة ما قد اعتراها من تردد وترهّل وانتظار. على الصعيد الاقليمى، تبدو الحكومة التركية ملجومة او عاجزة، تزداد ضيقا بأعداد اللاجئين السوريين على اراضيها الذين جاوزوا المائة الف. اما وزير خارجيتها داود اوغلو فقد اكتشف خلال زيارته صنعاء ان «الحل اليمنى» لم يعد صالحا لـ... سوريا (لم يبلغنا ما اذا كان لا يزال صالحا لليمن!)، فأعلن سحب دعوته الى تنحى الرئيس الاسد لنائبه فاروق الشرع مقدمة للحل السياسى العتيد. من جهة اخرى، تعاقبت العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية على اغتيال مبادرة الرئيس مرسى الرباعية. وتقضى السعودية الوقت المستقطع فى جدل بيزنطى مع الابراهيمى حول مدى خطورة استمرار الازمة السورية على تفجير الاوضاع فى المنطقة، علما بأن الوسيط يبالغ والمملكة تقلل من ذاك الخطر. وإذا الوقت مناسب لأمير قطر ايضا ان يحلّ فى زيارة لغزة لاضافة تنظيم إسلامى جديد الى محفظته... السياسية!

 

دوليا، لم تحتل المأساة السورية حيزا يستحق الذكر فى مواجهات المتبارزَين على الرئاسة الأمريكية. كرر الرئيس اوباما قوله ان ايام الرئيس الاسد معدودة. والاكيد ان تصريحات الرئيس اوباما هى المعدودة، لأنه كررها عشرات، بل مئات المرات، على امتداد عام ونصف العام على الاقل. بينما غريمه رومنى يزايد بالدعوة الى تسليح المعارضة السورية.

 

●●●

اللافت الوحيد فى هذا الوقت المستقطع هو التحول فى الموقف الروسى الذى شهد تصلّبا واضحا فى الآونة الاخيرة عبّرت عنه الدبلوماسية الروسية بمغادرتها سياسة المغمغة بصدد مصير الرئيس الاسد والإصرار على انه «باق» للاشراف على «الحل». يصعب تبيّن اسباب هذا التحوّل بالضبط. قد يكون احد الاسباب انتقال الجيش النظامى الى المبادرة الهجومية على عدة مواقع ومحاولاته استعادة عدد من البلدات والمدن التى تسيطر عليها المعارضة المسّلحة. وهذا يعنى فرض «الانتصار» امرا واقعا على الرئيس الأمريكى المتجدد او الجديد، علما بأن اللجوء المتزايد الى القصف الجوى المدمّر والقاتل لا يبدو انه يحقق الكثير من حيث استعادة الفضاء السورى المنفلت من سيطرة النظام او اجلاء المعارضة المسلحة من المدن الرئيسية او حتى استعادة الجيش النظامى بعض المدن التى خسرها فى الاطراف.

 

المؤكد هو ظهور رواية جديدة كل الجدة لدى القيادة الروسية عن الازمة السورية اعلنها الوزير لافروف حين عمّد الرئيس الاسد بما هو «حامى الاقليات» فى سوريا والمنطقة. فها هى روسيا قياصرة المافيات والاستخبارات تستعيد أبشع انواع الطروحات الاستشراقية والمشاريع الاستعمارية بصدد المنطقة. فلا تعريف للاقليات هنا الا الاقليات الاثنية والدينية والمذهبية. ولا معنى لحماية الاقليات الا ان تكون ضد «أكثرية». والاكثرية معروفة هنا ايضا. ومع ان رئيس الدبلوماسية الروسية يبرر دعمه بقاء الرئيس الاسد برفض بلاده اى تغيير لحدود المنطقة وكياناتها، إلا أنه يستعيد اللغة ذاتها والنظرة إياها اللتين اعادت بهما بريطانيا وفرنسا النظر فى حدود المنطقة وكياناتها فى اعقاب انتدابهما الدولى على المشرق العربى وتجزئته بُعيد العام 1920.

 

●●●

العرض الروسى مقدّم لشريك مفترض فى هذه المقايضة الدولية هو الولايات المتحدة الامريكية طبعا. والسؤال: ما هو الثمن الذى سوف تناله روسيا بوتين من هذا الشريك قبل ان «تبيع» الاقليات المشرقية وحماتها؟

 

 

 

سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى

 ينشر بالاتفاق مع جريدة السفير اللبنانية

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات