نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ... نعرض منه ما يلى:
من كان يصدق أن لبنان الطائفى سيموت، وأن لبنان اللبنانى سيولد؟ من كان يتجرأ على التفاؤل؟ مائة عام من عمر لبنان دفنت أحلامنا بوطن. هذا هو السيل اللبنانى الجارف. لبنان الجديد. الحقيقى، «جايى».
كم كان هذا الشعب يختزن من بؤس وغضب واحباط. انتفض وثار. حرر الساحات والشوارع والمدن من سطوة عصابات الطوائف وعصابات المال وقراصنة السياسة. هذا الشعب، بعد اليوم الأول من الطوفان الجميل، زرب أهل السياسة والسلطة فى بيوتهم. لا يجرأون على الظهور. يخافون كأجبن الجبناء. أخلوا الأمكنة كلها. إنهم يختبئون كالحرامية المطاردين.
لبنان الماضى مضى. حاولت السلطة أن ترمى للناس فتات الوعود. خرجت بورقة اقتصادية كاذبة. صدقت مع نفسها. اقترحت بيع لبنان المعافى فى بعض مؤسساته. حتى إنها مستعدة لبيع النفط والغاز. هؤلاء الذين سرقوا ماضينا، مصرون على بيع مستقبلنا. كل مستقبلنا، كى تبقى طبقة الواحد بالمئة، الحاكم المطلق، والمسئولة عن تجويع الناس وتشريدهم.
خلص. لبنان الماضى مضى، مصحوبا باللعنات التى تصيب كل من حكم وتحكم بلبنان. منذ نشوء الكيان، حتى الآن. الذين سرقوا ماضينا كله، يجب أن يُطردوا من حاضرنا ويُمنعوا من مستقبلنا.
لكنهم متشبثون ومصابون بالعمى. أكثر من نصف الشعب اللبنانى حرر لبنان بالكامل، من سطوة السياسيين وثقلهم الطائفى والمالى. ومع ذلك يخرجون بورقة اصلاحية، تجوز عليها اللعنة… لم يتعلموا ولن يتعلموا. يلزم أن يحاسبوا غدا. يلزم تجريدهم من سرقاتهم. يلزم أن يمتثلوا لعدالة شعبية صارمة، بلا عفو ولا تبرير.
الحكومة لن تستقيل غدا. ويجب ألا تبقى. والسؤال الكبير الملقى على الحراك والانتفاضة والثورة هو ما العمل؟ ماذا غدا؟ احتلال الشارع والساحات وقطع الطرقات ليس كافيا. الحراك لم يفرز بعد جسما يتولى الإجابة عن أسئلة المرحلة الصعبة ومنها: كيفية الحفاظ على وتيرة التصعيد فى الشارع. ومنها: تشكيل هيئات معبرة عن هذه الجموع الغاضبة، لتتولى مسارات الحراك. ومنها:
خارطة طريق سياسية تتولى فيه قوى الحراك ونخبها وضعها قيد التداول لتنفيذها، ومنها، تطوير آليات الضغط السلمى على السلطة كى ترحل، ومنها، إعادة الأمل إلى اللبنانيين، بأن لا حل إلا بدولة مدنية ديموقراطية وعادلة، وتستعيد كل ما سُرِق من الدولة والشعب.
حذار من الحساسيات. كل الخوف من تغليب نقاط التباين على ضرورة الاتفاق. حذار العناد والفوقية والانتهازية. الشعب بات يتطلع إلى سلطة نقية تشبهه، وإلى نظام عادل ينصفه، وإلى وطن ينتمى إليه بحب، وإلى اقتصاد ينمو، وإلى بطالة تنعدم، وإلى عمل شريف، حيث يأكل المواطن خبزه بعرق جبينه المرتفع عزة وكرامة… الآمال كبيرة ومطلوب تحقيقها. السلطة هذه لن تهزم الانتفاضة التى ستصبح ثورة. الخوف، أن تفوز التباينات. وهى موجودة، على التوحد، وهو المرتجى.
فابحثوا عمن يمثل هذا الحراك. اختاروا من بينكم، أصحاب العقول والمعارف. الحراك غنى جدا. ويزخر بالرجال والنساء المميزين. لا تنسوا تمثيل الأطراف. عكار والشمال وطرابلس المدهشة حقا. الهرمل وبعلبك والبقاع المنسى. الجنوب بقواه الخارجة على التقليد، جبل لبنان، الذى هب ضد من ظنوا أنفسهم بأنهم انصاف آلهة. بيروت. التى تشبه الحراك. بعدما احتضنته فى ساحاتها وشوارعها. ابحثوا عمن يؤمن لكم وعليكم، ومن تؤمنون بأنه سيكون لكم ومعكم.
الخيارات صعبة وثقيلة. هذا هو الامتحان العسير. إن نجحتم فى اختيار من يتولى السير فى الطليعة ومعه أكثرية الحراك، فثقوا، بأن أهل السلطة سيهربون.
ضعوا نصب أعينكم هدافا ورجالا ونساء منكم. لا تختلفوا على من يكون أولا. لا تكونوا كأهل السلطة ابدا. لا تنسوا أن أمامكم مهمة استرداد لبنان، كل لبنان، من ناهبيه ومغتصبيه، واستعادة ما سرقوه ونهبوه. لا تنسوا أن المهمة صعبة جدا، ولكن الأمل أكبر.
إنها ساعة الحقيقة. هذا الليل سينجلى. فاصنعوا لهذا الوطن صبحا جميلا.
حذار الفشل. غير مسموح ذلك. فاسهروا على ما يجمع، ولا تتشبثوا بما يؤدى إلى الخلاف. القضايا السياسية المحلية والإقليمية والدولية، يمكن تأجيلها، للبت بها، فى ما بعد، اتفقوا على المرحلة الانتقالية وبرنامجها. لبنان الجديد، الذى يولد على أيديكم، لا تكسروا ظهره بتحميله كل القضايا. ضعوا سلم أولويات عاقل وحاسم، تدرجوا فى البناء، ابدأوا من الأساس.
نحن الجيل الذى فشل. لا تقلدونا. أنتم مدعوون للنجاح. إنها الفرصة الأخيرة لبقاء لبنان وتحريره من الطغمة السياسية المتوارثة، ومن النظام الطائفيــ المالى المتوحش، ومن التبعية العمياء للإقطاع المتخلف، ومن قبضة عصابات المال والنهب واللصوصية، وورثة الدم والحروب التى سفكوا فيها لبنان على مدى سنوات.
وأنت يا لبنان. لقد ثبت أن شعبك يحبك. إنك جدير بالبقاء والنجاح والعطاء. فيا أيها النبلاء والشعراء والمثقفون والمبدعون والعمال والفلاحون والطلاب و.. افرحوا، وإن غدا مشرقا يلوح فى آخر الشارع.
النص الأصلى:من هنا