ارتفعت أسعار العقارات الصناعية والسكنية على مستوى العالم منذ نهاية عام 2020، فى حين أظهرت أسعار وحدات البيع بالتجزئة والوحدات المكتبية، الأكثر تضررا بجائحة كوفيدــ19، بعض علامات الاستقرار. وقد كان عام 2021 مميزا للقطاع العقارى على اختلاف استخداماته، خاصة مع بدء التعافى من الجائحة، وزيادة الإقبال على العقارات الصناعية والتجارية من أجل تلبية الطلب المكبوت خلال فترات الإغلاق والتوقف عن النشاط الاقتصادى التى اتسمت بها فترة انتشار الجائحة.
ومع بداية عام 2022، كان العديد من أسواق العقارات فى اتجاه صاعد. فقد أدى الطلب الاقتصادى المكبوت على خلفية جائحة كوفيدــ19، إلى جانب صدمات العرض الخارجية المرتبطة بالحرب الروسية ــ الأوكرانية إلى دفع التضخم إلى مستويات لم تشهد منذ عقود.
تراجعت تدفقات شراء العقارات (من قبل غير المقيمين) فى مصر بمقدار 114,6 مليون دولار إلى 453,7 مليون دولار خلال العام المالى 2020/2021، يأتى هذا على خلفية تسجيل الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر صافى تدفق داخلى بلغ 4,8 مليارات دولار فقط خلال الفترة (مارس ــ يوليو) فى عام 2020/2021 (مقابل 5,9 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق). ويرجع ذلك إلى تراجع إجمالى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر بنسبة 15,7٪ إلى 10,7 مليار دولار أمريكى (مقابل 12,7 مليار دولار أمريكى). وبالمثل، انخفض إجمالى التدفقات الخارجة بنسبة 12,6% إلى 6 مليارات دولار أمريكى (مقابل 6,8 مليار دولار أمريكى). وشأن السوق العالمية للعقارات، أظهرت سوق الإسكان فى مصر بوادر تحسن؛ حيث ارتفع مؤشر العقارات على مستوى البلاد بنسبة 3,37٪ فى عام 2022 عن العام السابق.
• • •
تصدير العقار هو تعبير مجازى، يشير إلى جذب المستثمر الأجنبى نحو الاستثمار فى الأصول العقارية داخل الدولة بالعملة الأجنبية، وذلك نظير امتيازات معينة، منها حق الإقامة أو الحصول على الجنسية له ولأسرته وفق شروط متباينة بين الدول. بهذا المفهوم يعد تصدير العقار المصرى من المجالات التى يمكن أن تدر نقدا أجنبيا على الدولة، خاصة أن مساهمة قطاع العقارات فى الناتج المحلى الإجمالى لمصر وصلت إلى 19% فى عام 2020/2021. تصدير العقار إذن هو نوع من الاستثمار العقارى المتاح للأجانب المقيمين فى الدولة وخارجها بالعملة الأجنبية.
ووفقا لدراسة حديثة أجرتها شركة «ماكنزى» McKinsey، يتم تخزين 68٪ من صافى الثروة العالمية فى العقارات، كما أن أكثر من 72٪ من النمو فى الثروة العالمية جاء من ارتفاع أسعار الأصول ــ متجاوزا المدخرات والاستثمارات (28٪). ولا تزال العقارات واحدة من أقوى المجالات الجاذبة للاستثمار على مستوى العالم، حيث تتصدر سوق العقارات فى أوروبا الشرقية الربحية والجاذبية للمستثمرين الدوليين.
وبشكل عام، فإن الجمع بين القدرة على تحمل التكاليف وتحقيق النمو الاقتصادى وتطوير البنية التحتية والسياحة والسياسات المواتية، يجعل أوروبا الشرقية وجهة جاذبة للمستثمرين العقاريين. ومع ذلك، لا يزال يتعين على المستثمرين إجراء العناية الواجبة الشاملة والعمل مع الشركاء المحليين للتنقل فى السوق والإلمام باللوائح والقوانين ذات الطابع المحلى.
ويمكن النظر إلى تأثير العولمة على العقارات من زاويتين: أولاهما، تقارب الأسواق العالمية، وثانيتهما، الأهمية المتزايدة للمراكز العالمية. تجدر الإشارة إلى أن الاتجاه الثانى قد هيمن على مدى العشرين عاما الماضية، حيث يلعب عدد صغير نسبيا من المدن دور «المدن العالمية» ذات الوظائف عبر الوطنية.
وقد وافق مجلس الوزراء المصرى مطلع يوليو 2023، على إجراء تعديل تشريعى على نص المادة الثانية من القانون رقم 230 لسنة 1996 الخاص بتنظيم تملك غير المصريين للعقارات المبنية والأراضى الفضاء، بما يسمح لغير المصرى بتملك أى عدد من العقارات، مبنية كانت أو أرضا فضاء، بغرض السكن، على أن يسدد الثمن بالعملة الأجنبية عن طريق التحويل من الخارج إلى أحد البنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة، وذلك وفقا للقواعد والشروط والضوابط التى يصدر بها قرار من محافظ البنك المركزى.
كذلك، شكل السيد رئيس الوزراء لجنة لدراسة آليات تصدير العقار للخارج، وقد اجتمع قبل منتصف أغسطس 2023 بتلك اللجنة لمناقشة عدد من الآليات التى من شأنها تعزيز نشاط تصدير العقار، تتضمن إنشاء صندوق عقارى من أصول إدارية وتجارية مدرة للدخل، وكذا مقترح تداول العقارات فى البورصة المصرية، والأثر الاقتصادى من فكرة إنشاء البورصة العقارية، والتى ستمثل منصة تمكن المستثمرين والشركات العقارية من شراء وبيع حصص فى الأصول العقارية، والاستثمار فيها، بحيث تكون مكملة للأسواق العقارية التقليدية، وتوفر فرصا للتداول اللحظى، والاستثمار الأكثر سيولة فى قطاع العقارات.
• • •
تشتق الآثار الاقتصادية لتصدير العقار المصرى إلى الخارج، من الآثار الاقتصادية للتصدير بصفة عامة. ويعد التصدير السلعى والخدمى أحد روافد النمو المهمة فى الناتج المحلى الإجمالى، كما يعد مصدرا مستقرا للنقد الأجنبى، بما يخفف من وطأة الضغط على سعر صرف الجنيه المصرى، ومن ثم يقلل من الضغوط التضخمية التى تواجهها البلاد باستمرار. وإذا كان النمو الاقتصادى فى مصر معززا بالاستهلاك المحلى إلى حد كبير، فإن تعزيز النمو بالاستثمار أو بالتصدير هو الأكثر استدامة. وغنى عن البيان أن معدلات النمو فى الاقتصاد الصينى ظلت لسنوات معززة بالتصدير، وهو ما جعلها نموذجا لمعدلات النمو المرتفعة والمستقرة حول 10% تقريبا طيلة ثلاثة عقود بين عامى 1980 و2008. ويتطلب الحفاظ على النمو الموجه نحو التصدير فى المستقبل توسعا سريعا ومستمرا للصادرات، يتحقق من خلال: زيادة فى الإنتاجية النسبية لقطاعات التصدير، من أجل خفض التكاليف إلى ما دون تلك الخاصة بالمنافسين، وتقليص الأرباح، ودعم القطاعات التصديرية.
وتواجه مصر عددا من التحديات المحلية التى تحول دون قدرتها على التوسع فى تصدير العقارات. أهم تلك التحديات هى أزمات نقص الطاقة، الناشئة فى الأساس نتيجة لزيادة الطلب على الغاز الطبيعى للتصدير، وأزمات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة المثبطة للاستثمار والمشوهة للأسعار، والتى تضاف إليها أزمة التقلب فى أسعار الصرف، وظهور أسعار متفاوتة فى السوق الموازية، وزيادة عدم اليقين التنظيمى، خاصة ما يتعلق بتعدد جهات الولاية على الأراضى فى مصر وتعقيد متطلبات التراخيص. كما أن الخلل بين العرض والطلب يتمثل فى وجود فائض بالوحدات السكنية المطلوبة من فئات معينة لديها فائض للاستثمار، وعجز فى الوحدات المطلوبة من الفئات الأقل ثراء التى تطلب العقار بغرض الاستخدام السكنى أو التجارى وليس الاستثمار كغرض أساس. وهنا يشار إلى ضعف التمويل العقارى، كأحد التحديات المقيدة لنمو الاستثمار العقارى فى مصر.
تتقاطع العوامل التى تؤدى إلى ضعف قطاع التمويل العقارى مع تلك التى ترفع من أسعار العقار لتجعلها بعيدة المنال عن أصحاب الدخول المنخفضة. إن بعض تلك العوامل، مثل ندرة العقارات المسجلة، تأتى كنتيجة لتراكم سنوات طويلة من الإهمال التشريعى والترهل فى المؤسسات والقوانين، بينما يأتى البعض الآخر، كارتفاع أسعار الأراضى، نتاجا لسياسة حكومية تهدف إلى تحقيق عوائد مرتفعة بغرض تمويل المشروعات الحكومية، ومنها توفير السكن الاجتماعى، بشكل منفصل عن الموازنة العامة.
• • •
وعليه فإن عددا من التوصيات يمكن وضعها فى الاعتبار لدى التعامل مع التصدير العقارى كمصدر مهم للدخل القومى ومنها:
ــ التوسع فى تسجيل العقارات باستخدام كل المحفزات، حتى يتم حصر تلك العقارات ضمن الثروة العقارية المصرية، بما يؤهلها للتداول وللاستخدام كضمان للتسهيلات الائتمانية، ووعاء يمكن توريقه.
ــ إدخال تعديلات تشريعية معززة بإجراءات تنفيذية لتنمية نشاط التمويل العقارى، والذى يرتبط إلى حد بعيد بنشاط تسجيل العقارات.
ــ الاهتمام بالترويج للعقارات فى مصر من واقع مساهمتها الفاعلة فى تنويع المحافظ العقارية للمستثمرين، وقدرتها على توزيع المخاطر بشكل فعال.
ــ إنشاء صناديق عقارية تضم محفظة من الأصول العقارية المتنوعة، والحرص على قيد وتداول وثائق الصناديق المغلقة فى البورصة المصرية، أو من خلال منصة عقارية مستقلة.
ــ إقامة بورصة عقارية نشطة فى مصر، وتداول الأوراق المالية المستندة إلى عقار من خلال تلك البورصة، بما يساعد على كفاءة التسعير للوحدات العقارية، ويساعد على دخول وخروج المستثمر الأجنبى من خلال الاستثمارات العقارية غير المباشرة.
ــ تركيب مؤشرات سعرية عقارية وتداول وثائق الصناديق العقارية بالبورصات المصرية والإقليمية، بما يساعد على تدفق رءوس الأموال الأجنبية إلى سوق العقار المصرية بكفاءة وسرعة.
ــ توفير العديد من الأراضى والعقارات بمختلف المناطق على مستوى الجمهورية للاستثمار بالعملة الصعبة، على أن يمنح المشترون بالعملات الأجنبية امتيازات خاصة فى التمويل العقارى وفى تسهيل إجراءات التسجيل والإعفاءات الضريبية وبعض الإعفاءات من سداد فواتير الخدمات لفترة زمنية محددة، ولحين تجاوز أزمة العملة الصعبة فى البلاد.