لساها.. - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لساها..

نشر فى : السبت 26 يناير 2019 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 26 يناير 2019 - 7:25 م

لم يكن لي حظ التواجد في ميدان التحرير أثناء الثورة، ولم أتمكن من السفر للقاهرة إلا بعد يوم من تنحي مبارك.
حذرني أصدقاء من حمل كاميرات تصوير. حتى كاميرا الفيديو المتطورة (وقتها) والتي كانت في شكل هاتف محمول، قيل لي إنها قد تصادر وتجلب على المتاعب. عندما وصلت إلى المطار كانت الصورة مختلفة. المطار هاديء وحركة السفر محدودة ولم يكن هناك تدقيق من أي نوع.

توجهت على الفور إلى ميدان التحرير ثم إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون حيث وجدت الشباب يلعبون الكرة بين الدبابات. اقتربت في وجل من أحد الجنود واستأذنته في تردد في التقاط بعض الصور. وعندما سألني في خجل إن كان يمكنني أن أطبع له صورته، أدركت أن ثمة تغير قد حدث.

بعدها بأيام كنت ضيفا على أحد الأصدقاء في برنامج تليفزيوني شعبي معروف. تصادف قبل ذهابي للاستديو أن أصدرت منظمة العفو الدولية أمنستي إنترناشيونال Amnesty بيانا أعلنت فيه عن حالات تعذيب أثناء الثورة.

كان اللقاء على الهواء مباشرة ورأيت، بحسن نية، أن أفتح موضوع التعذيب وأشير إلى البيان. قلت إن الثورة بتوقيتها ومسبباتها كانت في الأساس انتفاضة ضد الظلم وانتهاك الكرامة وأن الوقت قد حان لإنهاء كل الممارسات المتجاوزة. دعوت إلى جمع كل أدوات التعذيب من أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز وإحراقها في احتفالية رمزية في ميدان التحرير. اعتقدت ساعتها أنني "جبت التايهة" وأن الفكرة سيتم تبنيها بواسطة القوى التي تحكم البلاد. تلقى البرنامج اتصالا هاتفيا من متحدث رسمي غاضب اتهم "منظمات الفاكسات" بالكذب. استغربت أن يقوم بالنفي دون أن يعلم تفاصيل الحالات التي أشارت إليها أمنستي. اقترحت عليه التواصل مع المنظمة والتحقيق في الحالات المشار إليها ثم التصرف بناء على النتيجة. إما أن يثبت بطلان القصة ونطالب المنظمة بالاعتذار، وإما أن يثبت صدقها فنعترف بالخطأ وساعتها يكون على الحكومة أن تضع من الإجراءات والمعايير ما يضمن عدم تكرار انتهاكات ضد الناس.. بسيطة!!
تصاعدت حدة الحديث وتوتر جو الاستديو. وعندما انتهت الفقرة ودخلنا في الإعلانات نظر إلى الصديق المذيع وتساءل في استهجان "انت عملت إيه؟".
التقاني أحدهم خارج الاستديو وطلب مني رقم هاتفي بدعوى أن مديرة التليفزيون ترغب في التواصل معي، أعطيته إياه وطلبت منه أن نذهب لمكتبها للقائها على الفور. أخذني في جولة داخل دهاليز التليفزيون ثم اختفى بعد أن أدخلني مكتب صغير دعيت فيه الى مهاتفة مذيع "معجب" نصحني بالحديث مع المتحدث الذي وصفه بأنه رجل طيب. استجبت لدعوته وحادثت الرجل الذي ازداد غضبه عندما عرضت أن أتوسط للتواصل مع أمنستي من أجل الحصول على بيانات حالات التعذيب.

قضيت ليلة قلقة. كان اليوم التالي هو الجمعة فذهبت للميدان في صحبة صديق. تحلق حولي عدد ممن شاهدوني على التليفزيون في اليوم السابق. قال بعضهم إن ما قلته ربما يكون صحيحا ولكن الوقت ليس مناسبا لإثارة مثل هذه القضايا. دخلت معهم في نقاش توتر معه الموقف. قام صديقي بدفعي من أجل الخروج من الميدان قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.

كان الأمر بالنسبة لي لغزا. لماذا الغضب؟ ما قلته يتفق تماما مع المعلن من كل القوى والأطراف. ألسنا جميعا مع الثورة والشعب وضد القمع والتعذيب والانتهاك؟!

لم أكن أتصور أننا بعدها بسنوات سنشهد تقديم محام واثنين من القضاة للقضاء جراء إقدامهم على صياغة مقترح لقانون بمناهضة التعذيب في مصر.
لساها..

التعليقات