الذاكرة المضطربة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذاكرة المضطربة

نشر فى : الثلاثاء 26 يناير 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 يناير 2021 - 8:35 م

من يقلب صفحات التواصل الاجتماعى خلال الأيام الماضية يدرك إلى حد بعيد كيف أن الذاكرة العامة يعتريها الاضطراب، وتتنازعها الأهواء، ويغيب عنها الإدراك الهادئ للظواهر. وكلما مرت الأيام، يظن المرء أن غبار الأحداث قد هدأ، وأمكن التقييم الموضوعى، وهو لم يحدث، بل زادت أذهان الناس بلبلة واضطرابا. هناك من يؤيد 25 يناير، وهناك من يرفضها، لكل منهما وجهة نظر، ولكن يغيب الحوار النقدى بينهما.
لم ينزل الناس إلى الشارع بالآلاف منذ عشر سنوات اعتباطا، أو نتيجة تحريض أو مؤامرة أو لعب بعقولهم، لا أحد يمكن أن يصدق ذلك، بل كانت هناك مطالب اقتصادية واجتماعية مشروعة رفعها الناس، طالبوا بها. حقهم فى الحرية، والحياة الكريمة، والوضع الاقتصادى الاجتماعى اللائق. بالمناسبة، تحاول الحكومة أن تفعل ذلك منذ سنوات، سواء فى مشروعات الحماية الاجتماعية، أو القضاء على العشوائيات، أو توفير الرعاية الصحية للناس، وكثير ممن يقولون الآن إن 25 يناير كانت مؤامرة، لم يكن هذا رأيهم فى خضم الأحداث ذاتها، وبعضهم كانوا محمولين على الاعناق فى ميدان «التحرير»، أو يخطبون على المنصات المتعددة به.
ومن الرومانسية الزائدة، وقلة الوعى أيضا، أن نظن أن كل الاحداث التى تلت 28 يناير كانت بريئة مثل الشعارات التى رفعت، بل كان هناك من يريد أن يحقق أهدافا من ورائها، وبعضها كان يرمى مباشرة إلى تقويض مؤسسات الدولة ذاتها. وأظن أن هناك الكثير من الأسرار، التى تتساقط تباعا، سوف تكشف أن هناك نسختين من 25 يناير، إحداهما نقية، انطلقت من رغبة حقيقية فى التغيير من جانب أبناء الطبقة الوسطى، والثانية نسخة انتهازية سياسية، كانت ترسم ملامح نظام جديد يحقق مطامع ومزاعم البعض.
وهكذا كل الأحداث، بل وكل الثورات، يصنعها البعض بروح وثابة نقية، ويجنى آخرون بانتهازية نتائجها. ولكن ليس مطلوبا من المواطن النقى العفوى، كما أنه ليس مطلوبا من السياسى الانتهازى أن يكتب التاريخ، ويحلل الوقائع، ويستخلص العبر والدروس. هذه هى مهمة المثقفين، الذين يتركون قشور الأحداث، ويغوصون فى أعماقها، ويقدموا تحليلات معمقة تأخذ فى اعتبارها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مؤسسات المجتمع، العلاقات السائدة فيه، التنظيم السياسى والحزبى، والدروس التى يمكن أن تقدم للناس حتى يدركوا الواقع، ولا يقعون فى فخ التأويلات الرومانسية الساذجة للأحداث. ولكن للأسف، كثير من المثقفين اختار طريق الاستقطاب العاطفى بدلا من البحث الجاد، ووجدنا الكثير منهم يكتب بنفس الروح الشعبوية المعتادة إما مع أو ضد، فى حين أن التاريخ مثل العملة لها وجهان، أو المرايا متعددة الأبعاد.
فى مراحل سابقة من التاريخ المصرى، ساد جدل، وانقسام، بل واتهامات، ولكن على الهامش كان هناك مثقفون وباحثون يجرون دراسات معمقة، تستطيع من خلالها أن تنظر إلى الأحداث بعمق وروية وفهم، مثل ثورة 1952، لا يزال البعض إلى الآن يطلق التقييمات العاطفية المبتسرة عنها قبولا أو رفضا، لكن لا ينفى ذلك أن هناك العديد من الأعمال الفكرية المهمة التى تناولت بتشريح دلالات هذا التحول المحورى فى تاريخ مصر على جميع الوجوه، وبعضهم ليبرالى كانت له تقييمات إيجابية لبعض جوانب نظام يوليو، وبعضهم يسارى مالت وجهة نظره إلى التقييم السلبى. أتمنى أن نتخلص من التأثيرات العاطفية، رفقا بالتاريخ والناس، وننظر للأمور بعين المحلل، والباحث، حتى نعرف طبيعة التغيرات التى تحدث فى مجتمعنا، وكيف نسهم إيجابيا فيها.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات