منذ أيام أصدر المركز الإعلامى التابع لمجلس الوزراء تقريرا عن الشائعات عام 2022. وقد تضمن التقرير بعض المعلومات المهمة.
وبداية الشائعة هى رواية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية مختلقة، ويبدأ صدورها من مصدر شخصى أو مؤسسى، فى أمر قابل للتصديق، بغرض إثارة البلبلة فى مجتمع أغلبه من البسطاء، وهى نوع من الحرب النفسية، لإظهار عدم الثقة والوقيعة بين الحاكم والمحكوم بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر من خلال بث التفرقة بين المواطنين، بهز الثقة فى نظام سياسى معين بغية إسقاطه. ويستخدم المرسل وسيلة أو أكثر لنشر شائعته، وقد تتعدد الوسائل مع مرور الوقت لنفس الشائعة، ما يجعلها قابلة للكبر، إن لم تدحض فى مهدها من مصادر موثوقة.
يقول تقرير مجلس الوزراء إن نسبة انتشار الشائعة عام2022 كانت 20.5% مقابل 1.4% عام 2014. وهذا البيان يشير إلى أمرين مهمين. الأول، أن الشائعات تنتشر وتزداد رغم مرور السنوات، رغم كون أن التطور الزمنى يفترض أن يحمل تطورا وسعة فى حجم مواجهتها، ويبدو أن تفسير ذلك مرده إلى أن التطور فى المواجهة، يعقبه تطور مقابل وربما أكبر فى تقنيات إخراج الشائعة (فوتوشوب ــ وسائل نشر جديدة).
ثانيا: أن شائعات اليوم هى أكبر من الشائعات التى كانت موجودة يوم تعرضت مصر لمناخ عدم الاستقرار السياسى الناجم عن خروج جماعة الإخوان المسلمين من السلطة فى مصر، رغم أنه كان يفترض أن تلك السنة هى واحدة من أصعب السنوات التى مر بها نظام 30 يونيو. على أن تفسير ذلك ربما نجده فى كون شائعات اليوم أصبحت أكثر تركيزا على الشأنين الاقتصادى والاجتماعى. هنا تؤكد بيانات المركز تلك الفرضية بالإشارة إلى أن الشأن الاقتصادى من جملة شائعات 2014 كان يحتل 9% مقابل 23.6% عام 2022.
يرصد التقرير أن شائعات مارس وديسمبر2022، كانت هى الأكبر من حيث العدد، مقارنة بباقى أشهر العام. ففى الشهر الأول كان المعدل11.1% من جملة الشائعات، وفى الثانى كانت 10.2%، أما الأشهر الأقل فكان أشهر يوليو(6.3%) ومايو ويونيو(6.7%) . والأرجح أن هذا يجد تفسيره فى كون مارس هو شهر تفاعل الناس بشكل أكبر مع الحرب الروسية الأوكرانية التى بدأت نهاية فبراير وتداعياتها العالمية التى بدت تلوح فى الأفق، وكذلك كون ديسمبر هو الشهر الذى مرت به مصر بأصعب ظرف اقتصادى مرت به منذ 30 يونيو2013، بسبب غلاء الأسعار نتيحة التدهور الحاد فى قيمة الجنيه وارتفاع الدين الخارجى وأعبائه بشكل غير مسبوق. أما أشهر الصيف فكانت أشهر ملهاة للناس فى المصايف وعيدى الفطر والأضحى وإجازات المدارس.
قطاعيا، رصد التقرير أن ربع الشائعات كانت من نصيب الاقتصاد (23.6%) لكن الكم الأكبر كان من نصيب الشأن الاجتماعى والمجتمعى (68.8%). وكان الشأن الأخير تنازليا كالتالى: 21.3% من نصيب التموين، 19.1% التعليم، 11% الصحة، 4.9% الزراعة، 4.9% الحماية الاجتماعية، الوقود 4%، الإسكان 3.6%. كل هذه الأرقام لا تضع فقط ترتيبا واقعيا لاهتمامات المواطن بالشأن الغذائى، ثم التعليمى، ثم باقى الخدمات فحسب، لكنها تعطى مؤشرا لطبيعة الشائعات، والطبقة المستهدفة منها، وهى فى الأغلب الأعم الطبقة الدنيا (المعنية بالتموين والدعم خاصة) والوسطى (المعنية بالتعليم والصحة بشكل رئيس).
كل الشائعات السابقة اعتمدت غالبيتها على عدة وسائل. أهمها الفضائيات التى تصدر عن الأقمار الاصطناعية البعيدة عن الرقابة، والتى تبث من خارج الدولة المصرية. لكن الغالبية العظمى منها يستغل تطبيقات الهواتف المحمولة كالفيس وما شابه، والواتس آب، للترويج للشائعة ونشرها كالنار فى الهشيم بعد أيام وربما ساعات قليلة من بثها. وهذه الوسيلة الأخيرة تستغل تطبيقات أخرى فى الهواتف مثل التسجيلات الصوتية والصورة، وذلك طمعا فى جعل المستقبل أكثر تصديقا لما يرد إليه.
واحد من أكثر الأمور المهمة لمواجهة الشائعات، هو أن يكف مصدر الشائعة نفسه عن مسألة جس النبض المجتمعى كغرض من إصدار الشائعة، لأن هذا المصدر هو معنى بالأساس بمنع نشر الشائعات فى المجتمع، لذلك قيامه بذلك يفقد ويعمق عدم الثقة بين الدولة والمجتمع. بعبارة أخرى، يجب أن تواجه الشائعة كمبدأ عام ومهم، ولا تستغل لأغراض سياسية.
واحد من الأمور المهمة لمواجهة الشائعات وردت فى البحث المتميز للدكتورة الشيماء عبدالسلام وفريق عملها فى المركز الديمقراطى العربى عن «تأثير الشائعات على الاستقرار السياسى فى مصر خلال الفترة من (٢٠١٣ــ٢٠١٩)». إذ يرى البحث ضرورة وجود جهاز متخصص فى تلك المواجهة كالمركز الإعلامى بمجلس الوزراء، وأن الرد على الشائعة يكون بوسائل متعددة، وأن الشفافية الرسمية هى أكبر وسيلة للوقاية والعلاج معا، وأن العقوبات القانونية هى وسيلة مهمة لمنع المروجين للشائعات.