«أعتقد أن العالم كله لن يحتاج أكثر من خمسة أجهزة كمبيوتر» هذه المقولة ليست لشخص لا يعلم شيئا عن التكنولوجيا لكنها مقولة توماس واطسون الأب رئيس ومؤسس شركة أى بى إم وقد قالها سنة 1949، فى مقال لصحيفة الجارديان سنة 2015 تنبأ المقال أنه مع العام 2020 لن يحتاج أحد أن يقود سيارته بنفسه بل ستكون كل السيارات ذاتية القيادة، إيلون ماسك صاحب ومؤسس شركة تسلا تنبأ سنة 2019 أنه بعد سنة واحدة ستكون فى الشوارع أكثر من مليون سيارة ذاتية القيادة، تنبأ هربرت سايمون (أحد مؤسسى علم الذكاء الاصطناعى والوحيد الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد وجائزة تيورنج لأبحاثه فى الذكاء الاصطناعى) سنة 1960 أنه بعد عشرين عاما أى سنة 1980 ستكون أجهزة الكمبيوتر قادرة على القيام بأى مهمة يستطيع الإنسان أن يقوم بها.
من الممكن أن نستمر فى سرد تلك التنبؤات الخاطئة من متخصصين وعلماء ورجال أعمال كبار حتى نهاية المقال لكننا سنكتفى بتلك الأمثلة وسنطرح السؤال الذى سنحاول الإجابة عليه: لماذا يخطئ الناس فى التنبؤ بالتطور التكنولوجى؟ بل قد ترى نبؤات متناقضة من متخصصين.
ويبدو أن الأمر ليس متعلقا فقط بالتكنولوجيا فقد قام العالم النفسى فيليب تيتلوك بسؤال 284 خبيرا عن أمور مستقبلية فى السياسة والاقتصاد، متوسط سنوات الخبرة عند هؤلاء الخبراء 12 سنة لكل خبير، كانت النتيجة كارثية، التخصص وعنصر الخبرة وامتلاكهم معلومات كثيرة لم يشفع لهم وكانت أغلب التنبؤات خاطئة، فما هو السبب؟ لن أدعى أن هذا المقال سيجيب إجابة شافية لكنه سيطرح وجهة نظرى عن الموضوع.
السبب الأول متعلق بالصحافة، فى الموضوعات العلمية كانت الصحافة دائما تبالغ فى وصف التكنولوجيات الجديدة ومستقبلها وأوضح مثال على ذلك ما كُتب عن الذكاء الاصطناعى فى ستينيات القرن الماضى، وهى مبالغات من الصحفيين لجعل المقالات أكثر إثارة وجاذبية للقراء، ونتيجة تلك المبالغات فإن رأيا عاما يتشكل ويؤثر على صانعى القرار وعلى المؤسسات الممولة للبحث العلمى، كل ذلك يؤثر على الباحثين ورجال الأعمال وعلى آرائهم.
السبب الثانى هو النظرة الضيقة للعلماء أو الخبراء ولا أعنى بذلك أنهم يتغاضون عن مؤشرات علمية فى تخصصهم، بل إنهم بالطبع متخصصون لا يشق لهم غبار لكنهم ينظرون للأمر من ناحية تخصصهم فقط، لا يأخذون فى الاعتبار عوامل أخرى كثيرة خارج تخصصهم العلمى الدقيق مثل التأثير الاقتصادى واحتياج السوق أو وجود تمويل معين لهذا البحث أو ذاك، أو التحولات السياسية مثل الحروب مثلا التى تسرع من وتيرة الأبحاث فى اتجاهات معينة وتبطئ من اتجاهات أخرى مثلما كانت الحرب العالمية الثانية سببا فى تسارع وتيىرة أبحاث الذرة فى ألمانيا والولايات المتحدة، وقد يكون العامل المؤثر على التنبؤ العلمى هو عامل علمى أيضا لكن فى تخصص مختلف، تنبؤات كثيرة عن الذكاء الاصطناعى أخفقت لأنها لم تأخذ فى الاعتبار التقدم فى مجال مثل علوم الأعصاب، نحن حتى الآن لا نعرف بدقة شديدة كيف يعمل المخ البشرى مثلا.
لكن ما هى الفائدة من التنبؤ بالتقدم التكنولوجى بجانب أنه تمرين عقلى مسلٍ؟ تهتم الشركات بهذه التنبؤات حتى تبنى خططها المستقبلية بالنسبة لمنتجاتها وخدماتها، فمثلا إذا أرادت شركة تطوير جهاز كمبيوتر جديد سينزل إلى الأسواق بعد ثلاث سنوات فيجب على تلك الشركة التنبؤ بما ستكون عليه التكنولوجيا خاصة عند المنافسين بعد ثلاث سنوات حتى تستطيع تصميم جهاز يستطيع المنافسة.
ما ستكون عليه التكنولوجيا فى المستقبل القريب والمتوسط هى معلومة مهمة أيضا فى التعليم حتى تستطيع الجامعات تخريج من يستوعبون تلك التكنولوجيا والتعامل معها، وهذا مهم جدا عندنا فى مصر وقد تحدثنا من قبل عن علم المستقبليات وأهمية وجود مركز للدراسات المستقبلية عندنا حتى لا تكون تحركاتنا متأخرة عن بقية الدول فى العالم المتقدم، لقد بدأنا نهتم فى مصر بالذكاء الاصطناعى فقط عندما بدأ العالم يهتم به، عندها فقط أصبح عندنا أقسام (بل كليات) للذكاء الاصطناعى، هل لنا أن ننظر للمستقبل القريب ونحاول الاستعداد له من الآن فى التعليم؟ مثلا الحاسبات الكمية قد تصبح فى متناول المؤسسات الكبيرة فى العالم بعد خمس إلى عشر سنوات وهى نوعية من الأجهزة قادرة على كسر تشفير أغلب وسائل التشفير الحالية، هل نبدأ بتدريس ولو مادة واحدة فى الدراسات العليا عن هذه الأجهزة حتى ولو من ناحية نظرية؟ هذا مجرد مثال.
التنبؤ بما ستكون عليه التكنولوجيا صعب لكن عدم التنبؤ والاكتفاء برد الفعل ليس أفضل شىء أيضا.