نشر موقع كيوبوست مقالا للكاتبة أمل صقر، تحدثت فيه عن كتاب الدكتور يوسف الحسن، الدبلوماسى الإماراتى، وتوثيقه لفترة كورونا. التوثيق لم يتناول أرقام الضحايا أو التداعيات الاقتصادية، وإنما التفاعلات الإنسانية بهدف إيقاظ الضمير الإنسانى.. نعرض من المقال ما يلى.
الإنسانية بكل ما تحمله من معانٍ، هى الكلمة المفتاحية فى كتاب دكتور يوسف الحسن الدبلوماسى الإماراتى المخضرم، والذى يوثِّق فيه بطريقته الخاصة الأيام العصيبة التى مرت بها البشرية خلال أزمة كورونا. توثيق دكتور يوسف لا يتعلق بالأحداث والأرقام والإجراءات، والتداعيات الاقتصادية... إلخ، بل هو توثيق للمشاعر الإنسانية، وتفاعلاتها المختلفة فى ظل هذه الجائحة، من خلال تأملات ويوميات هدفت إلى السعى نحو إيقاظ الضمير الإنسانى، واستعادة النزعة الإنسانية، وقيم التعايش والتسامح فى مواجهة الخوف والظلم، وحتى تتمكن البشرية من مواصلة الحياة.
يقدِّم الدكتور الحسن فى كتابه 34 يومية، كُتبت عبر السنوات من 2020 وحتى 2022، وتنوعت مضامينها بين الحديث عن ذكرياتٍ لشخوص وأماكن، مرورا بالتفكير حول أسئلة إنسانية وجودية مثل الحياة والموت، ووصولا إلى توصيات صريحة أو ضمنية للقارئ والقارئة هى نتاج خبرة ليست بالقليلة من شخص عرك الحياة دبلوماسيا وأكاديميا.
انطلاقا من مقدمة ابن خلدون عن أحوال العالم والأمم، ومقولته «إنها لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على مر الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال» يستهل الدكتور الحسن هذه التأملات، معتبرا أن فيروس كورونا هو من بين هذه التحولات الكبرى فى حياة الأمم، خاصة وأنها «فاجعة عالمية، لا تستثنى أمة، ولا دولة، ولا تميز بين جنس، أو عرق، أو لون، أو معتقد، أو غنى وفقير»، ويستطرد بحديثه عن أن هذا الوباء «طرد الاعتقاد الزائف والخادع بالاستغناء عن الآخر، والانتقال من محدودية منطق الفردانية (الأنا)… إلى رحابة المفهوم الجامع (نحن) لمعانى المصلحة الإنسانية العامة، والتشارك، والتآلف، والتعاضد، والتضامن، والرحمة، وعدم الشماتة بآلام الآخرين، ومعاناتهم».
ورغم انتشار الوباء، وما فرضه من أجواء شاع فيها الاكتئاب، تبدو الروح الإيجابية منتشرة عبر سطور هذه اليوميات، حيث يحاول الحسن رؤية الجوانب المضيئة فى هذه الجائحة، ومنها ما ذكره حول انخفاض نسب التلوث البيئى نتيجة تقلص استخدام الوقود الصناعى، وعوادم المركبات، وتمنى لو أن تقود الجائحة إلى ثورة بيئية فى العالم.
وفى أجزاء أخرى من اليوميات لا يبخل الدكتور الحسن على قرائه بمزيدٍ من ومضاتٍ إنسانية بالحديث عن السعادة، وكيف يمكن للإنسان أن يجدها «فى ضحكةٍ من القلب، وفى لقاءاتٍ مع أجيال من الأسرة، ولقاء مع أصدقاء فى مقهى أو على مائدة إفطار أو سهرة رمضانية، وفى لحظةٍ تضع فيها رأسك على وسادة النوم، وقلبك خالٍ من الهموم والبغضاء، وضميرك فى راحة ورضا».
كذلك يؤكِّد أن المبادرات الإنسانية المشتركة فى مواجهة الوباء تُعتبر علامة خضراء ضرورية، لبقاء شجرة الحياة، ويقول: «كم كنتُ أطير سعادة، كلما سمعت أن الإمارات مدّت يديها بالعون والإغاثة لدولٍ وشعوب تعانى أهوال الوباء.. وأحمد الله، أن ما فينا، من الإمارات كوطن وقيادة، يكفى لنفرح، ولنربى الأمل والتفاؤل».
من جانبٍ آخر، نجد اليوميات مليئة بتساؤلاتٍ مهمة، بعضها طرحها كاتبنا على مجموعةٍ من أصدقائه فى الإمارات ومصر والكويت ولبنان والأردن، عبر الرسائل الإلكترونية، حول «عالم ما بعد كورونا» وهل ستتغير الدنيا، وتنقلب رأسا على عقب، أم أن التغيير، وفقا لتجارب التاريخ، سيكون بطيئا؟ وهل سنعيد صياغة فلسفة الحياة وأولوياتها بعد هزيمة «كورونا»؟ وهل ستتغير فلسفة التنمية؟ وكيف سيكون حالنا، كعرب ومؤسسات ونظم وتكتلات؟ وكيف سيكون حال النظام الدولى بعد لحظة الاضطراب التى اجتاحت البشرية جمعاء، وتركت الناس فى كل مكان يعيشون الأحداث ذاتها وفى الوقت ذاته؟ وهل ستنكمش كل دولة على نفسها؟ وهل ستتم «عقلنة» العولمة، فتنبذ المنافسة المتوحشة، وتتبنى مفاهيم الشراكة والتعاون الحقيقى وقواعد الإنصاف؟
وتسلط بعض اليوميات الضوءَ على مفاهيم إنسانية كالضمير، ويقول: «الإحساس بالرضا، والسعادة، مرجعه إلى وجود قوة كامنة خفية تسكن أعماقنا، وتعبر عن جوهر إنسانيتنا الطبيعية. إنها الضمير الأخلاقى (النفس اللوَّامة) يضمن للإنسان إنسانيته، وهو القانون الأخلاقى الذى يؤنبنا إذا أخطأنا، ويجلدنا إذا كذبنا، أو إذا لم ننتصر للضعفاء والمحرومين والمهمشين والمقهورين.. إنه الضمير كقانون فى منظومة الفطرة الإنسانية، حيث الشعور بالخير والشر، والعدل والظلم مفطور فى النفس البشرية، وما تقوم به الشرائع هو تأكيد هذا القانون الطبيعى وتكميله وتوضيحه، بحيث لا يكون حكما إلا بقبولنا له، وعندها يتحول إلى معتقد داخلى يحكم السلوك».
من الأجزاء المميزة فى اليوميات ما يفرد فيها قصصا من الأساطير، ومن التاريخ، ويقول: «ما زالت هناك أساطير تعيش شعوب كثيرة فى ظلها الظليل، وتؤدى وظائفها الاجتماعية، وحينما تتشابه مأثورات شعوب مع شعوب أخرى... وعلى سبيل المثال، فإن تشميت العاطس الذى نعرفه فى الإسلام، من الطقوس المنتشرة فى معظم أرجاء العالم، وربما كانت مرتبطة بأسطورة قديمة تعتقد أن هناك أرواحا شريرة دخلت فى جسد الإنسان، فإذا (عَطَسَ) فإنه يستعيذ من شرها، ويشكر الخالق على ذلك أو يدعو له من سمع (عطسته) بأن يباركه الرب».
ونجد بعضا من النصائح المهمة بين صفحات اليوميات، ومنها التأكيد على فوائد رياضة المشى، ويقول: «قرأت أن جان جاك روسو كتب يقول إنه يستطيع التفكير والتأمل فقط عندما يمشى.. وأذكر أن تلامذة أرسطو قد أُطلق عليهم اسم المشائين أو المتجولين، واعتاد هذا الفيلسوف على إلقاء محاضراته وهو يمشى مع تلاميذه.. أثابر على المشى، ليس بهدف توليد أفكار بالضرورة، وإنما لتنشيط الذاكرة، والتأمل، والتخلص من الآثار السلبية للجلوس الطويل وراء المكتب، وتذكّر أنه على هذه الأرض ما يستحق الحياة، والمشى فى مناكبها والتأمل فى جمالياتها، بعيدا عن ألغاز السياسة وفواجعها، وتقلباتها».
ويختتم الدكتور الحسن مذكراته بيوميةٍ عنونها: «الزمن تغير يا أصدقاء»، وفيها يتناول العالم وقد خرج من أزمة كورونا، وبداية العودة إلى نمط الحياة الطبيعية، ويطرح عددا من التساؤلات حول ما تعلمناه من الجائحة، وما يمكن الاستفادة منه لما هو قادم.