تفعيل المشترك فى وجه جحيم الفرقة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تفعيل المشترك فى وجه جحيم الفرقة

نشر فى : الخميس 26 مايو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 26 مايو 2016 - 9:55 م
فى لبنان، حيث إبداع طرق التعايش بين مكونات المجتمع لا يتوقف عن التجدُد والتنوُع، قررت مجموعة من المواطنين الاحتفال بعيد مريم العذراء بصورة مشتركة فيما بين المسيحيُين والمسلمين.

تكمن عبقرية هذا الإبداع فى الاستفادة من مكانة مريم العذراء الدينية، كأم للمسيح عيسى عليه السلام وكرمز للطهارة والألق الروحى، فى الديانتين، الإسلام والمسيحية، لتقريب أتباعهما ولبناء مشاعر القبول بالآخر والتعايش معه فى سلام ومحبة وفرح وانفتاح.

وهكذا ألُفت الأناشيد المشتركة والخطابات المشتركة للترنُم بها وإلقائها فى حفل مشترك حضره المسيحى المارونى والأرثوذوكسى جنبا إلى جنب مع المسلم السنى والشيعى والدرزى ليتبادلوا أدوار القسسة والشيوخ ويصدحون بنفس كلمات الأناشيد المشتركة فى الاحتفال بذكرى البتول العذراء الطاهرة.

يقول أحد المسلمين المشاركين:

لقد جاء ذكر مريم العذراء فى القرآن أكثر من ذكرها فى الإنجيل، ورفع مقامها فى القرآن من خلال تسمية سورة كاملة باسمها، فكيف لا تكون ملكا لنا كما هى ملك لإخوتنا المسيحيين؟ ذلك ردُ مفحم رائع على تعامل الجهاد التكفيرى الهمجى اللاإسلامى مع الإخوة المسيحيين فى العراق وسوريا وغيرها من بلاد العرب والإسلام.

***

وأنا أستمع لأخبار ذلك الحدث اللبنانى جال فى ذهنى هذا السؤال: لماذا لا توجد مراسم عاشورائية مشتركة بين الشيعة والسنة وأتباع بقية المذاهب الإسلامية الأخرى وذلك لإحياء ذكرى ثورية وبطولة واستشهاد الإمام الحسين فى كربلاء؟ ثم ألن تكون المراسيم المشتركة، بلغة مشتركة وفهم موحٌد وفخار بالبطولة الحسينية الواحدة، أحد المداخل لعزل الطائفيين المتعصبين المجانين المتواجدين فى كل مذهب وللشعور بالمشترك، وللفهم المتبادل، ولتجديد الأخوة التاريخية؟

نحن هنا معنيين بمحتوى ولغة الخطاب الرزين العاقل، بتجنُب الأساطير والتخيلات التى حيكت من قبل البعض لاستدرار الدموع، بالتركيز على أخذ العبر وتعلُم الدروس، بمواجهة ممارسات الظلم القبلية التى نهى عنها الإسلام بقيم عدالة الإسلام وسماحته ومتطلبات بناء الأمة الروحية الواحدة.

إن ذلك التوجه وتلك الممارسات المشتركة لن تساعد فقط فى تجسير الفجوة التى تحفرها قوى الشرُ فى الخارج وقوى الطائفية فى الداخل بين مذاهب السنة ومذاهب الشيعة، وذلك من أجل مصالح سياسية حقيرة أو انتهازية، وإنما ستساعد أيضا المهمة الإصلاحية التى نادى بها عديد من العلماء المتنورين والمجتهدين والمفكرين الشيعة من أجل تطوير وتطهير ما لحق بمراسيم العزاء الحسينى عبر القرون من ممارسات خاطئة وخطابات حادة. والواقع أن المراجعة الموضوعية لما دار من نقاشات ومواقف حول نقاط الإصلاح التى أثارها الإصلاحيون تؤكد أن ما نطرحه من وجهة نظر سيساهم فى ترجيح كفة الاعتدال والسمو بالمراسيم الحسينية لجعلها تخدم كل المسلمين وتساهم فى بناء مسيرة التعايش السلمى الأخوى المشترك فى أرض العرب وبلدان المسلمين كافة.

إن الحسين ليس ملكا للشيعة فقط، إنه ملك لكل المسلمين، بل لكل العرب: كسبط للرسول (صلعم) وكبطل ثورى استشهد من أجل قضية، وكبطل مأساوى عاش بين خذلان البعض له وتنكيل البعض الآخر به وبأهله، فسطر ملحمة كبرى فى تاريخ هذه الأمة لا تقل فى عمق معانيها ودلالاتها عن الملاحم الكبرى التى سطرها تاريخ البشرية.

إن المراسيم العاشورائية المشتركة ستستدعى أنبل ما فى التاريخ المشترك وأفضل ما فى التلاقح الفكرى والفقهى المشترك الذى لخصه الدكتور مصطفى الشكعة فى كتابه «إسلام بلا مذاهب». يقول الدكتور مصطفى: « وهكذا نجد تلك الروابط الأكيدة التى تجمع بين السنُة والإمامية فى شخصى مالك وجعفر، وبين السنة والزيدية فى شخصى أبى حنيفة وزيد، وبين السنة والمعتزلة فى أشخاص الحسن البصرى وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وبين الزيدية والمعتزلة فى شخصى زيد وواصل، وبين الزيدية والإمامية فى شخصى الأخوين زيد ومحمد الباقر، وبين السنة والخوارج فى شخصى البخارى وعمران بن حطان الذى أملى الحديث على البخارى، بل الخوارج والإباضية – بصفة خاصة ــ هم أول من جمع الحديث».

***

ذلك التلاقح الفكرى وتلك العلاقات الإنسانية الأخوية المتناغمة يمكن إرجاع ألقهما أثناء أيام مراسيم عاشوراء، عندما يسمع المسلم خطباء ومتحدثين من السنة والشيعة، عندما تصبح المجالس والمواكب لملايين الشيعة والسنة، أى يصبح الحدث حدثا إسلاميا وتصبح الذكرى ذكرى إسلامية وتصبح العبر الحسينية عبرا إسلامية. عند ذاك سنقترب من زوال التوجُس ومن انتهاء العزلة، وسننتقل من المجاملات والتمنى إلى دفء الفعل وصدقيته.

ما سيريح الأرواح الطاهرة لضحايا الجهاد التكفيرى المتوحش من مسيحيين ومسلمين هو ما حدث فى لبنان وما يجب أن يحدث فى طول وعرض بلاد العرب وكل أماكن تواجد الإسلام.
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات