لم نر مساهمات كبرى إلى الآن من مجتمع المغتربين المصريين فى الاقتصاد المصرى، تتناسب مع حجمه، وقدراته، والمشاعر الايجابية التلقائية تجاه البلد. النظرة التى تحكم العلاقة مع المغترب هى «ادفعلى شكرا»، أى تحويل الأموال، والتبرع للمشروعات العامة، الخ. ولكن تحويلات المصريين فى الخارج إلى المجتمع المصرى تراجعت، وهو ما يشكل أحد أسباب أزمة الدولار، والأسباب وراء ذلك كثيرة.
أولها: استقرار مجتمع المغتربين فى دول كثيرة، حيث تجمعت العائلة الواحدة الأسرة تلو الأخرى فى المهجر، مما جعل روابطها العائلية مع المجتمع المصرى أقل مما كانت، وبالتالى قلت التحويلات المالية، فضلا عن أن بعض هؤلاء الأسر يفكرون فى الاستقرار، واستثمار الأرصدة المالية، وإقامة مشروعات فى البلدان التى تستضيفها. ناهيك عن أن الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين لا يفكر أصلا فى الانتقال أو العودة إلى الإقامة فى مصر.
ثانيا: اغلاق أسواق العمل أمام المصريين نتيجة الأسباب السياسية والأمنية فى بلدان مثل ليبيا والعراق، التى كانت مقصدا مهما للعمالة المصرية.
ثالثا: الأزمات الاقتصادية فى بعض الدول مثل اليونان، جعلت التحويلات تقل كثيرا عما كانت عليه سابقا، وظهر شكل جديد هو «التحويلات العكسية»، أى إعادة إرسال الأموال من مصر إلى الخارج، وهى الأموال التى سبق أن أودعها المصريون المغتربون فى مصر خلال السنوات الماضية، ويستردونها الآن لمواجهة الأزمات المالية فى المجتمعات التى يعيشون فيها. على حد قول أحد المصريين فى اليونان «لم أكن أتوقع أن أجيب فلوس من تحت»، المقصود بعبارة «تحت» التى يستخدمها المصريون فى اليونان هى مصر، ربما باعتبار أنها جنوب، واليونان فى الشمال.
رابعا: لجوء بعض الدول التى كانت مقصدا للعمالة المصرية مثل دول الخليج إلى الاستعاضة بعمالة أسيوية بدلا منها.
المصريون فى الخارج يشكون من عدم الاستماع إليهم، ويعبرون عن حنقهم من غياب قنوات التواصل معهم أو تقديم فرص جادة أمامهم للاستثمار فى مصر أو حتى للتبرع العينى. إحدى المشكلات التى يذكرونها أنهم يريدون إرسال ملابس أو أدوية أو مساعدات من الخارج، يضطرون أحيانا إلى دفع رسوم جمركية عليها. لماذا لا تنشأ قناة معينة بالتعاون بين وزارتى الخارجية والمصريين فى الخارج وشركة مصر الطيران تسمح لمن يريد تقديم أية تبرعات عينية أن يسجلها فى السفارة المصرية، ثم يرسلها بالمجان إلى جمعية أو هيئة معترف بها تستقبلها، وتقوم على توزيعها، دون أن نكلفه مصروفات ارسالها أو اعباء جمركية عليها. الأفكار كثيرة، وينبغى أن ندرك أن المصريين فى الخارج، مثل الداخل، مجموعات متباينة، هناك العمالة التى تريد إرسال التحويلات، وبناء السكن، وشراء الأرض، وهناك فئات أخرى تريد الاستثمار، وآخرون نالوا فى أوروبا والولايات المتحدة حظوظا مهمة فى المواقع الاجتماعية، ويمتلكون حضورا مهنيا فاعلا، يريدون إفادة البلد لا أكثر، وهم متحققون فى مجتمعهم الذى يعيشون فيه.
البداية تكون بعقد مؤتمر موسع للمصريين فى الخارج، يترتب عليه استراتيجية واضحة، تتفرع إلى خطط تتيح الإفادة منهم فى التصدى للوضع الاقتصادى فى مصر، هم أبناؤها، ويكنون ولاء لها، ويزعجهم عدم الالتفات لهم، أو التعامل معهم بمنطق «ادفعلى شكرا».