أيام عراق الهستيرية - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام عراق الهستيرية

نشر فى : الإثنين 26 يوليه 2021 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 26 يوليه 2021 - 8:50 م
وضع فيروس كورونا، منذ أعلنت الصين عن ظهوره فى نهاية عام 2019، البشر فيما يشبه الأقفاص الحديدية، وضيق طرق التواصل الإنسانى المباشر، فباتت اللقاءات لشهور عديدة فى حدها الأدنى، وغلف الوباء اللعين الكرة الأرضية، بالقلق والترقب، وأغرق سكانها فى الهواجس والخوف من المجهول، قبل أن يقطع أواصر التلاقى بين الناس ممن فُرضت عليهم العزلة قهرا، بسبب السقوط فى بئر الفيروس، أو الذعر من انتشاره.
على خلفية هذه الأجواء، اختار الروائى اللامع، ناصر عراق، أن تدور أحداث روايته «أيام هستيرية» الصادرة أخيرا عن دار الشروق، بين القاهرة ودبى، حيث يتقابل الإحباط والرجاء، الإخفاق والأمل، الفشل والنجاح، السقوط والصعود، الزواج والطلاق، وكل ثنائية مشابهة، محركا خيوط وأقدار شخوصه، متلاعبا بها، ليعكس دراما الحياة التى لا تبقى شيئا، جميلا كان أم قبيحا، على حاله.
فالروائى الستينى العمر «نبيل عبدالحكيم البنا» الذى حصد الجوائز ونال التكريم والشهرة والمال، خرج من زواج امتد ربع قرن وأنتج أربعة من الأبناء، بطلاق أورثه الأمراض، تلازمه «الحريقوفوبيا» الناجمة عن نيران الحياة المستعرة، التى كادت تلتهمه حقيقة لا مجازا، قبل أن يقذف به «ذئب الوحدة المتوحش» إلى عالم «السوشيال ميديا» ليغرق فى نهر فشل جديد باقترانه بشاعرة متوسطة الموهبة تصغره بنحو عقدين من الزمان، ولم يسبق لها ولوج باب الزواج.
وبسنواتها الاثنتين والأربعين، وبوجه مصنوع بأقلام التجميل الملونة، استطاعت «نسمة فريد»، أن توقع فى حبائلها الرجل الستينى المتعجل لهجر الوحدة، بصورها الخادعة على «الفيسبوك»، وبرسائل تحمل معسول الكلام، ولغة رقيقة عبر «الماسنجر» و«الواتس أب»، بثتها من القاهرة، حيث تعيش، إلى دبى، حيث يعمل، قبل أن يلتقيا فى «جروبى» وسط البلد، وجها لوجه، فتشعر نسمة «أن هناك رجلا ينتظر بسمتها بشغف تحت ضوء القمر».
وخلال أيام معدودات ينهى نبيل إجراءات عقد قرانه من نسمة فريد، قبل أن يطيرا إلى دبى، ليكتشف هناك المأساة التى تدخله فى «أيام هستيرية»، فالعروس المرغوبة تحمل جملة من أمراض مزمنة، خلفتها العنوسة الطويلة، وسوء طباع، وإدمان على الخمور والحبوب المهدئة لأعصاب أتلفتها رحلة حياة قاسية بدأها أب متزمت بالانفصال عن أم تعيش فى بيئة شعبية بائسة، وأكملها جرح حبيب مخادع فر إلى أعز صديقاتها.
وفى ظلال الحقيقة المرة، والاعتراف بأن لا سن يقى من الوقوع فى الحماقات، يجد نبيل عبدالحكيم نفسه مجبرا على المقارنة بين زوجته الثانية بعيوبها القاتلة، وزوجته الأولى علا جميعى، فيصب جام غضبه من الثانية على الأولى، التى «لا تعرف فضيلة التضحية على الإطلاق».
وبنظرة ذكورية تقليدية إلى النساء، عندما يقع البغض ويسود النفور، يتحامل نبيل عبدالحكيم على علا جميعى فيصفها بكل نقيصة، فهى أنانية، لم تصن العشرة، نكارة للجميل، فقد ساندها للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراة، وشجعها على العمل حتى تبوأت موقعا مرموقا فى الجامعة التى التحقت بها، لكنها أفسدت كل شىء بلا تفسير مقنع عدا تأثرها بمكائد أمها المطلقة «الكارهة للحياة»، وخطاب بعض شيوخ، بجلابيب قصيرة ولحى طويلة، دأبوا على تغييب العقول.
لكن لماذا لم تحصل علا جميعى على حق الدفاع عن نفسها، إلا عبر شذرات على لسان ابنها الأكبر طالب الطب فى أستراليا؟ يجيب عراق فى نقاش دار بيننا قبل أيام، حول الرواية وشخوصها، أن العمل اعتمد على صوتين محبوسين بسبب كورونا هما «نبيل ونسمة»، كما «أننى لم أغفل استدعاء شبح علا بتقلباتها وغدرها فى مخيلة نبيل وحواراته».
وعلى عكس روايتيه السابقتين «دار العشاق» و«اللوكاندة» الصادرتين عن الدار المصرية اللبنانية، واللتين لجأ فيهما إلى عصر محمد على وحفيده عباس حلمى الأول، للإسقاط على الواقع، فضل ناصر عراق فى «أيام هستيرية» الاستغراق فى اللحظة المعيشة لتعرية النفوس البشرية، قبل أن تتعطل لغة الكلام، ويسقط بطله «النبيل» فى «شرك امرأة من جهنم».
التعليقات