نشر موقع رصيف 22 مقالا للكاتبة رنا ناصر بتاريخ 24 أغسطس تناولت فيه أسباب تجنب بعض النساء المبادرة فى الاعتراف بالحب تجاه الطرف الآخر.. نعرض من المقال ما يلى.
فى مسلسل «هذا المساء» الذى عُرض على شاشات التلفزيون فى العام 2017، للمخرج تامر محسن، هناك مشهد شهير، أحبه كل متابعى المسلسل وما زال يتداولونه إلى حدّ الآن على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو مشهد اعتراف تقى (أسماء أبو اليزيد) بحبها لسمير (أحمد داوود) فجاء الحوار كالتالى:
سمير: إزيك يا تقي؟
تقى: أنا بحبك.
سمير (لم يجب): تاكسى.
جاء هذا المشهد فى المسلسل بعد مشاهد أخرى من الشد والجذب بين تقى وسمير، ومشاكل أخرى مرّت بها الشخصيتان، وحتى عندما قررت تقى الاعتراف بحبها لم تكن أوضاعهما مستقرة بعد، لكن البوح يعنى أنها لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك، وأنها على يقين أن الآخر يحبها، فقررت «تقصير المسافة» عليه وصرحت بحبها له.
رغم أن مواقع التواصل الاجتماعى تُظهر حب الناس لهذا المشهد، وإعجابهم بما فعلته تقى، لكن التصريح بالحب من الفتاة للرجل فى الواقع لا يسير دائما بهذه الصورة الرومانسية الجميلة لأكثر من سبب.
انقسام الآراء
عندما طرحنا على وسائل التواصل الاجتماعى سؤالا للرجال عن نظرتهم للفتاة التى تُصرح بحبها لهم، جاءت الإجابات كالتالى: «أحترم مشاعرها ولو بحبها هرتبط»، «أحب قدرتها على التعبير عن مشاعرها»، «معنديش مشكلة مع الموضوع».
وحكى رجل، رفض ذكر اسمه، عن تجربته مع فتاة صرّحت له بالحب لكنه لم يكن يبادلها الشعور نفسه، معلقا بالقول: «احترمتُ شجاعتها كثيرا»، وهذا كان رأى أغلبية الرجال، وقلة منهم رأوا أنه من الأفضل أن تقوم بالتلميح من دون أن تعبر عن مشاعرها بشكل مباشر.
أما النساء فانقسمن إلى قسمين: قسم يرى أنه من الأفضل الانتظار حتى يُصرّح الرجل بالحب أولا، أو اعتبار أن المرأة يمكنها التلميح لكن دون التصريح، وهناك قسم مع فكرة أن تكشف المرأة بشفافية عن مشاعرها، فقالت إحداهنّ: «شعور التصريح جيد بالنسبة إليَّ»، وأخرى أكدت بالقول: «التصريح بالنسبة إلى أفضل من البقاء فى زاوية الانتظار».
أسباب رفض بعض النساء البوح بالحب
صنعت المُخرجة بسمة شيرين، فيلما تسجيليا بعنوان: «كيف تجعل اثنين يقعان فى الحب»، لتُصرح لرجل بحبها له أمام الجميع.
فى البداية، عُرض الفيلم فى دوائر ضيقة لا تعرف بسمة بشكل شخصى، لكن بعد حصوله على الجائزة الأولى فى مسابقة الطلبة فى مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، ذاع صيت الفيلم، وعند عرضه مرة أخرى فى القاهرة، جاء عدد أكبر لمشاهدته من دوائر مشتركة بين بسمة ومن تحب، فسألتُ بسمة: «ألا تخشين مما سيقولون بعد مشاهدة الفيلم؟»، فأجابت: «لا أهتم لما سيقولون، وكل ما فكرتُ فيه أن لديّ شعورا صادقا أحببتُ خروجه، لأن الحب شجاعة».
رغم الطريقة المبتكرة التى صرحت بها بسمة بالحب، وتحمّل أى عواقب تنتج عن هذه الطريقة، إلا أن هذا لم يجعلها تجتمع مع من تحب، ولا بدّ من الإشارة إلى أننا لا نُحمّل أبدا الطرف الثانى مسئولية مشاعر الطرف الأول، فمن حقه القبول أو الرفض دون أن يُلام على أى من الاختيارين، لكنه قد يُلام على أشياء أخرى قد يفعلها بعد مرحلة القبول أو الرفض.
من ضمن الأسباب التى قالتها الفتيات لرفضهنّ البوح بالحب، هو إحساس الرفض، معتبرات أنه لا يجب التصريح إلا إذا كانت هناك إشارات توحى بالقبول، فقالت إحداهنّ: «لا تصرّحى، لأنك لن تتحملى إحساس الرفض»، وحكت لرصيف 22، عن تجربتها قائلة: «لمّحت لأحدهم بطريقة غير مباشرة، وكان رد فعله أنه اختفى تماما، وتركنى ألوم نفسى إلى الآن أنى خسرت كرامتى واحترامى لذاتى».
شعور الرفض من أكثر المشاعر التى يصعب على الإنسان تحملها، ورغم ذلك فهو لم يكن السبب الوحيد الذى يجعل الفتيات يرفضن الكشف عن مشاعرهنّ، لكن ما قالته أكثر من فتاة إن «رجالا كثيرين يفزعون من الفتاة التى تُصرح لهم بالحب، وقد يتخذون خطوات إلى الوراء».
بدورها، كتبت إحدى الشابات على الفيسبوك: «أعرف الكثيرات من صديقاتى اللواتى مررن بهذه التجربة وباءت فى النهاية بالفشل، أعتقد أن المرأة يجب أن تكون مرغوبة، والرجل يفعل أقصى ما عنده حتى يتزوجها».
أما السبب الثالث والمخيف فعلا هو الاستغلال، فقد تُصرّح فتاة بالحب لأحد الأشخاص دون أن يبادلها الشعور نفسه، لكنه قد يوهمها أنه يبادلها الشعور لاستغلالها على أكثر من مستوى، بخاصة الاستغلال الجنسى.
حكت رانيا (26 عاما) أنها باحت لشخص عن حبها، فكان رده أنه أيضا يكنّ مشاعر تجاهها، وطالبها بإقامة علاقة جنسية بينهما أكثر من مرة رغم رفضها فى كل مرة، وبالرغم من عدم وجود خطوط واضحة لعلاقتهما فهما لم يرتبطا بعد، ولم يعبر لها عن حبه بوضوح على حدّ قولها، وأضافت لرصيف22: «لكنه يعرف جيدا أنى أحبه، فيضغط عليَّ بمشاعرى تجاهه»، وفى النهاية كشفت رانيا أن هذه العلاقة القائمة على الابتزاز العاطفى قد انتهت.
تقول د. سوسن الشريف، استشارية فى علم النفس والاجتماع، لرصيف22: «اتضح لى أن تصريح الفتاة للرجل قد يأتى بنتيجة عكسية، فبعض الشباب لا يرفض فقط، وإنما قد ينعت الفتاة بأنها بلا أخلاق لأنها صرحت له، وفى بعض الحالات مع أول مشكلة بينهما يتهمها أنها هى من حاولت الإيقاع به».
رجال تخشى التصريح بالحب
قد يتراءى للجميع أن البوح بالحب أمر يصعب على الفتاة فقط، لكنه فى الواقع قد يصعب على الشاب أيضا لعدة اعتبارات.
يقول أمين (30 عاما) لرصيف22: «أشجع كثيرا فكرة تصريح الفتاة بحبها لمن تحب، خاصة أننى من الصعب أن أتخذ مثل هذه الخطوة»، وأضاف: «اتخذتها من قبل مع إحدى الفتيات التى كان لدى مشاعر قوية تجاهها، ولم أتلق منها إجابة، فرفضت بسكوتها، ومنذ هذه اللحظة أصبح من الصعب بالنسبة إليّ التعبير عن مشاعرى مرة أخرى».
بدورها، قالت نورهان (28 عاما)، وهى مهندسة من الإسكندرية: «صرحت لزوجى بمشاعرى تجاهه، لأنى أعرف أن الرجال أحيانا لا تبوح بمشاعرها خشية من خسارة علاقة الصداقة القائمة بالفعل».
لاحظت نورهان إشارات من زوجها تشجعها على البوح بمشاعرها، وبالفعل باحت له عن حبها أثناء خروجهما سويا فى أحد الأيام، وكان رده وقتها: «ده خطر أخاف أخده بس الموضوع متبادل، لكن خلينا نجرب واوعدينى لو الموضوع ما مشيش نفضل صحاب».
بالفعل، خاضا التجربة سويا، وبعد فترة اعترف هو الآخر بحبه بشكل صريح، وتزوجا بعد 4 سنوات من معرفتهما ببعضهما، وأنهت نورهان حديثها لرصيف22: «رغم ذلك أنا ضد أن تعبر الفتاة عن مشاعرها لرجل دون أن تكون هناك علامات واضحة منه أنه يبادلها المشاعر نفسها».
صديق هاجر كان هو الآخر يخشى أن يعبر لها عن مشاعره، فقررت هى اتخاذ الخطوة الأولى قائلة: «كانت هذه علاقة الارتباط الأولى فى حياته، وهو شخص خجول وانطوائى بعض الشىء ولديه نظرة تشاؤمية، فكان يخشى من ألا تسير الأمور على ما يرام، بصراحة بعد ثلاث سنوات، لا أعرف السبب الحقيقى الذى كان يجعله لا يصرح لى بمشاعره».
وأضافت لرصيف22: «علّل حبيبى بأنه لا يعرف كيف يتعامل فى مثل هذه المواقف، رغم أنه فيما بعد صارحنى بأنه أعجب بى منذ أول مرة رآنى فيها».
اتفقت هاجر مع الفتيات الأخريات بخصوص رفض فكرة التصريح بالحب معبرة بسخرية: «لا تعترفن بالحب يا فتيات، فهذا رجل محترم وجدته صدفةً».
تعليقا على هذه النقطة، قالت د. سوسن: «تصريح الفتاة بحبها ليس أمرا هينا حتى فى الثقافة الغربية، فيظهر ذلك فيما يقدمونه من أفلام وأدب، لكن الفرق بيننا وبينهم أنه فى ثقافتنا الشرقية قد يقلل هذا من شأن الفتاة عند بعض الرجال التقليديين، فالأمر يتعلق أكثر بالفطرة والثقافة، فحتى بين الكائنات الأخرى الذكر هو من يتخذ الخطوة الأولى».
وأنهت حديثها قائلة: «الأمر لا يتعلق بالدين أو بالحلال والحرام، فالسيدة خديجة فى الدين الإسلامى هى من عرضت الزواج على الرسول، لكن الأمر قد يتعلق بالتكوين الفطرى للرجل والمرأة».
النص الأصلي