ربما يكون التفسير الوحيد لإصرار حكومة الببلاوى على إصدار قانون التظاهر، فى هذا التوقيت الغريب الذى يشهد تراجع مظاهرات الإخوان فى الشوارع كما وكيفا إلى هذه الدرجة المضحكة، حينما يشارك العشرات او عدة مئات فى مليونيات المحظورة، هو وجود رغبة لدى هذه الحكومة للسيطرة على الشارع قبل إجراء الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وربما يكون صدور القانون فى هذا التوقيت هو وجود مناقشات جدية داخل كواليس الحكم، لإجراء بعض التعديلات فى خارطة الطريق قد تشمل إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، ورغبة الحكومة فى تأمين المقار الانتخابية من الغزوات المتوقعة التى ينتظر أن تشنها عليها ميليشيات المحظورة، أو القوى المتطرفة المتحالفة معها، لاستكمال مسيرة الفوضى، التى تستهدف من ورائها إسقاط ثورة يونيو، وهدم المعبد فوق رءوس الجميع!
فالحكومة التى تدرك ان المظاهرات التى اندلعت فى 30 يونيو هى التى عمدتها فى السلطة واعطتها شرعيتها بعد أن أطاحت بمافيا الإخوان، لا شك أنها تدرك جيدا أنه مهما بلغت شراسة أنياب وأظافر قانون التظاهر، فإنه لن يستطيع أبدا أن يوقف زحف الملايين إلى الشوارع، واستئذان وزير الداخلية أولا - كما ينص - القانون للقيام بثورة شعبية لإسقاط السلطة الجديدة فى مصر، فالثورات لا تشتعل بمواعيد مسبقة، لكنها تقتحم المسرح بلا استئذان، وبلا موافقات مسبقة من السلطة..
ومع ذلك، فإن الشىء المهم الذى سقط من حسابات الحكومة، هو أن المعالجة الأمنية لن تكفى وحدها أبدا لمواجهة فتن وحروب الإخوان على الشعب المصرى، فهذه المعالجة الأمنية كان ينبغى أن يسبقها أولا ثلاث خطوات أساسية، أولها إعادة هيكلة وزارة الداخلية، ونشر ثقافة جديدة بين ضباطها بحيث يكون ولاؤهم للقانون وللحريات العامة والحفاظ على حقوق وكرامة المواطنين، لا أن يكون ولاؤهم للسلطة والحفاظ عليها، مهما كانت جائرة ومستبدة.
وثانيا، تبنى مشروع ثقافى ـ سياسى وطنى يستهدف إعادة هدم وبناء مرجعية الحركات الإسلامية فى حياتنا السياسية وفى المقدمة منها تنظيم الإخوان المسلمين، لكشف العوار الفقهى والوطنى الذى تلوذ به هذه الحركات، واستخدامها من قبل القوى الاستعمارية الغربية كمخلب قط، لضرب حركات التجديد الدينى والحضارى فى مصر وفى كل المجتمعات الإسلامية.
أما ثالثة هذه الخطوات التى ينبغى ان تنفذها الحكومة، فهى ضرورة تبنيها لبرنامج اقتصادى يعلن الحرب على الفقر والجور الاجتماعى فى مصر، فملايين الفقراء فى مصر هم الوقود الذى تتاجر به مافيا الإخوان، وتبيع وتشترى فيه فى حربها ضد السلطة فى مصر، منذ ايام السادات وحتى كتابة هذه السطور!
الحرب على الفقر والأمية الثقافية وصيانة حريات وكرامة المصريين، هى الأسلحة الوحيدة التى تحسم المواجهات مع قوى الشر والتخلف فى المجتمع المصرى، وليست القوانين المتعسفة، ولا حتى الهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى، التى تهدد الحكومة باستخدامه ضد معارضيها وخصومها فى الشوارع، كما يقول قانون التظاهر البائس!