رغم كل الشكوك التى تلاحق ضباطها، ورغم كل «سوابقها» فى استخدام العنف الذى يصل لدرجة الوحشية ضد المتظاهرين، تؤكد وزارة الداخلية أنها بريئة من قتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ خلال مسيرة حزب التحالف الشعبى للاحتفال بذكرى ثورة يناير الأحد الماضى، فتقرير الطب الشرعى أكد أن الرصاص الخرطوش الذى قتل شيماء من النوع المتوافر لدى رجال الشرطة والمواطنين، بما يوحى بإمكانية اندساس ــ أحد عناصر الطرف الثالث وسط المظاهرة وإطلاق النار على شيماء، وهى الرواية التى تستند إليها الداخلية لتبرئة رجالها من هذه الجريمة البشعة.
ومع ذلك فإن رواية الداخلية لا تخلو من نقاط ضعف واضحة، منها أن القاتل الذى ينتمى للطرف الثالث، أطلق الرصاص على عضوين آخرين بالحزب وأصابهما بجروح، قبل أو بعد أن يقتل شيماء دون أن يلاحظه أحد من رجال الشرطة، أو من الموجودين بموقع الجريمة آنذاك، وكأنه فص ملح وداب. كما أن الرصاص الذى قتل شيماء جاء من ناحية ضباط الشرطة، فى وقت كان ميدان طلعت حرب الذى وقعت فيه هذه الجريمة كان شبه خالٍ، ومن السهل على رجال الشرطة الموجودة بالعشرات فى المكان بالزى العسكرى والزى المدنى أن يكتشفوا هذا «اللهو الخفى»، الذى يبدو كما لو أنه ارتكب جريمته وتبخر فى الهواء!
رواية الداخلية للحادث ضعيفة، لا يمكن لأحد أن يأخذها بجدية، والتفسير المنطقى الوحيد لما حدث، هو أن أحد ضباط الداخلية هو الذى قتل شيماء، ففى كل المظاهرات التى تصدت الداخلية لفضها منذ ثورة يناير وحتى الآن، قدم لنا ضباطها وجنودها دروسا بليغة فى الفشل المهنى عن أدائهم لوظيفتهم بطريقة تحترم آدمية وحقوق المواطنين، واللجوء إلى العنف الذى يصل لحدود الوحشية فى التعامل مع المتظاهرين، وهو ما حدث فى مسيرة شيماء وحزبها التى لم يتعد المشاركون فيها الـ50 سياسيا، نصفهم فوق الخمسين عاما بكثير، وينتمون لحزب شارك أعضاؤه فى ثورتى يناير ويونيو.
أغلب ظنى أن سبب هذا العنف الأمنى فى التعامل مع مسيرة حزب التحالف، كان يستهدف منعها من استكمال طريقها نحو ميدان التحرير لوضع أكاليل الزهور على النصب التذكارى لشهداء ثورة يناير، ليس خوفا بالطبع من احتلال أعضاء الحزب للميدان وإقامة خيم للمبيت فيه، لكن لأن هناك قناعة سياسية لدى الداخلية، بأن التحرير أصبح خط أحمر، فهو أيقونة الثورة، وهو الرمز الذى يسقط الأنظمة، وهو الملجأ الوحيد لكل المطالبين بالحرية والعدل الاجتماعى فى مصر، ومن هنا فإن السيطرة عليه تعنى السيطرة على أى تحرك ثورى محتمل، وهو ربما ما يفسر هذه الوحشية الأمنية فى قمع مظاهرة حزب التحالف بهذا الشكل الدموى!
مقتل شيماء يفتح ملفات ساخنة حول ضرورة هيكلة الداخلية، وبناء نظام سياسى ديمقراطى، واحترام دولة القانون وتطبيقه على الكبير قبل الصغير، وبهذه المعانى فإن دماء شيماء ستكون فى رقبة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فالقبض على قاتل شيماء ومحاكمته محاكمة عادلة، هو الاختبار الحقيقى لدولة الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، التى يعدنا السيسى ببنائها لصالح ملايين المصريين.