فى كل مرة تطل علينا أعمال فنية تثير الجدل، يتم تقسيم المجتمع إلى صنفين، وذلك بسبب تنافر تلك الأعمال مع قيم المجتمع وثقافته. الفريق الأول هم المتحدثون عن حرية الإبداع، ويرفع هؤلاء شعارات حرية الفكر والإبداع، ويبدو غرض هؤلاء هنا إخافة من حولهم، بغرض إسكاتهم ونشر الذعر بينهم، وجعلهم فى موقف دفاع، وربما إخراس أصواتهم، لا سيما عند الحديث عن سلفنة أو أخونة المهاجمين. الطرف الثانى، هم عادة من غير المنتمين إلى التيار الإسلامى، وإن كان هذا التيار داعما لهم، وهؤلاء ممن هم يذودون عن قيم المجتمع وثقافته، ويحسبون أنهم يحاربون معركتهم الأخيرة دفاعا عن أبنائهم، وهى معركة أصبح النت والموبيل والفضائيات وتطبيقاتهم يستخدمها البعض لتخريب عقول الشباب.
ما سبق هو بمناسبة ما صدر من ردود أفعال حول أحد الأعمال الفنية العربية التى تبث الآن على نتفلكس، وهى موقع إلكترونى تأسس عام 1997 بكليفورنيا، ويشترك فيه حسب الموقع أشخاص من 190 دولة. الفيلم صور فى بيروت وهو إنتاج مصرى إماراتى لبنانى، مأخوذ عن فيلم إيطالى، غرضه المعلن هو فضح أسرار الناس، وغرضه الحقيقى هو الترويج لكل ما هو مشين وقذر دون حتى إدانته.
أحسن أحد الكتاب فى متابعته لأحداث الفيلم المثير فى وصف أحد أغراضه، بقوله (شوف العصفورة) وذلك بأن أبعد النقاد من العوام عن نقدهم للمثلية الجنسية فى الفيلم، بالتركيز على نقد الخيانة الزوجية. بعبارة أخرى، كان الغرض الرئيس على ما يبدو هو الترويج للمثلية من خلال نسيانها عند نقد الفيلم، أملا فى غمس المجتمع فى جرعات «فنية» لاحقة من أعمال تالية، أكثر جرأة، حتى يصل المجتمع بنا فى النهاية، بعد بضعة سنوات، للتعامل مع المثلية بمنطق الحرية الشخصية، وحق الإنسان فى أن يفعل فى جسده ما يشاء.
فى كتابهما الشهير الصادر عام ١٩٨٩، After The Ball، وضعا مارسيل كرك وهانتر مادسين، مخططا من 6 نقاط، يهدف إلى إغراق المجتمعات الغربية فى عالم المثلية، فبعد أن حققا ما يريدا فى أوروبا، سعيا إلى تعميم التجربة فى الولايات المتحدة، باعتبارها مجتمعا أكثر محافظة. وهما الآن يسعيان مع كثيرين للتسويق لتلك الأفكار فى المجتمعات النامية، وفى القلب منها البلدان الإسلامية، وهى بلدان يعتبرها مروجو المثلية الأكثر عصيانا وتشددا فى رؤيتها للمثلية.
يقول الكاتبان المخطط الأول، يهدف إلى إزالة الحساسيات فى رؤية الآخر للمثليين، وذلك بإدخال هؤلاء وإشراك قصصهم فى المحافل الثقافية والفنية، كما يحدث الآن بالضبط، وذلك بغرض إقناع الناس بقبول هؤلاء، وذلك بالطبع يختلف عن أعمال فنية سابقة أتت بالمثلية وانتقدتها، مثل عمارة يعقوبيان. المخطط الثانى، من المهم النظر إلى المثليين على أنهم ضحايا وغير مذنبين، وأنهم مضطهدون، وهو أمر يستوجب بل ويحث الناس على حمايتهم ودعمهم فى سلوكهم «العادى». المخطط الثالث، التركيز على روح العدالة فى القيم التى يتحلى بها الأشخاص العاديون، لدفعهم لقبول الآخر المثلى، من زاوية العدالة التى يحترمها دينهم الإسلامى. المخطط الرابع، بث فكرة الحرام التى يتمسك بها المواطن المسلم فى العالم الإسلامى، بشكل عكسى، بمعنى الترويج إلى أن المثليين لهم الحق فى ممارسة ما يريدونه، والتعرض لهم هو الحرام بعينه!!. المخطط الخامس، يرمى لتصوير المثلى بأنه معتدى عليه، وأن الطرف السوى هو من يعتدى عليه، وهذا الأخير متخلف وغير متسامح ومتعصب ويجب على عوام الناس أن تطرده من الجماعة. المخطط السادس، هو الإصلاح القانونى التدريجى لتطبيع التعامل مع المثليين، وذلك من خلال رفع العقوبات عن المثليين، ثم الإقرار السريع بعمليات التحول الجنسى، وبعد بضعة سنوات، توقيع العقوبات على كل من يؤذى المثليين باعتبارهم ضحايا الاعتداءات من قبل الغير.
بطبيعة الحال وبعد أن تم تعميم تلك الأفكار فى الغرب، أصبح الغرب يبحث عن مروجين ممن يحملون أجندة حقوق الإنسان للتسويق لكل ذلك. بدأ بالأعمال الفنية التى تدخل كل بيت، ثم انتقل وبشكل موازٍ لجمعيات حقوق الإنسان، التى سال لعابها للمعونات والمنح السخية للترويج للمثلية، بل أن هناك بعض الكيانات المانحة التى تهدد بوقف المنح للدول التى تحارب المثلية.
ما العمل؟ مناهج التعليم هى خط الدفاع الرئيس، وقبلها وعلى وجه السرعة المسجد والكنيسة. أما الإعلام، فله مع ما سبق من أدوات دور مهم فى التوعية بمواجهة مخطط تدمير المجتمع عبر شبابه. وكل ذلك عبر التأكيد على التفرقة بين حرية الإبداع المكفولة كمبدأ، وحرية الفجور التى يجب مواجهتها بكل قوة.