فى هذه الزاوية الأربعاء الماضى تساءلت «كيف نقرأ حادث نيوزيلندا؟»، الكلام أعجب البعض، ولم يعجب البعض الآخر. من الطبيعى أن يحدث ذلك، فلا يوجد مقال يجمع عليه الناس جميعا. ولكنى أظن من تعليقات القراء على المقال على موقع «الشروق» الإلكترونى، أن هناك ما يستدعى أن نواصل النقاش. أحد هؤلاء القراء الذين يعلقون عادة على المقالات، ويبدون آراءهم فيها هو الأستاذ «أشرف سلامة»، لا أعرفه، وليس لدى علم بخلفيته المهنية، فلم يحدث أن التقينا أو تحدثنا. ولكنى أحترم تعليقاته، رغم اختلافى مع كثير منها، والسبب أننا نفتقد فى أحيان كثيرة إلى الحوار، والتفاعل، وتبادل وجهات النظر، المهم أن القارئ العزيز، وآخرين أيضا، أعربوا عن رفضهم لعبارة ذكرتها فى المقال هى «هناك فكر دينى إسلامى يحتاج إلى إصلاح»، وذهب بعضهم إلى أن العبارة سم فى العسل، وقال الأستاذ «أشرف سلامة»: «لا يا سامح فوزى.. الفكر الدينى الإسلامى يا سيدى هو الفكر الصالح ليوم الدين».
لا أعتقد أننى أخطأت فى العبارة، ولو سألت أى مرجعية إسلامية معتبرة سوف يقول هناك فكر دينى إسلامى يحتاج إلى إصلاح، يبدو أن المصطلحات ــ المصاغة بدقة ــ التبست على القارئ النابه، الدين غير الفكر الدينى، الدين عقيدة وشعائر، أما الفكر الدينى فهو إدراك البشر للدين، وهو إدراك متغير لأن البشر متغيرون زمانا ومكانا، وطالما أن الفكر الدينى متغير فقد يعتريه شوائب، ويلصق به أفكار تحتاج إلى إصلاح، نحن لا نتحدث فى الإلهى المقدس، ولكن نتحدث فى البشرى النسبى، تقديس كلام البشر خطر، واعتبار أن كلام الناس، سواء كانوا مفسرين أو شراح أو مجتهدين، منزل يؤدى إلى الجمود، ويحمل الدين ذاته ما لا يحتمل. الذين يعتنقون أفكارا متطرفة، هم إذن يعتنقون فكرا دينيا يحتاج إلى إصلاح، والذين يمارسون القتل باسم الدين، وما أكثرهم من طالبان إلى داعش، أيا كانت أسماؤهم، يعتنقون فكرا معوجا لكنه يستند إلى قراءتهم الخاصة للدين، التى هى خطأ، وتحتاج إلى إصلاح. ما الخطأ فى هذا؟ فى كل الأديان والمعتقدات هناك «فكر دينى» ناتج من فهم البشر لحقائق الدين يحتاج إلى نقاش، وتفنيد، وإصلاح، لأنهم بشر يصيبون ويخطئون، يقرأون الدين من منظور الثقافة التى تربوا عليها، ويعتبرون العادات والتقاليد التى نشأوا عليها ــ بشكل لا واعى ــ جزءا من الفكر الدينى الذى يتبنونه. لا المسلمون جميعهم يقدمون فكرا دينيا صحيحا عن الإسلام، ولا المسيحيون يقدمون فى فكرهم تعاليم السيد المسيح، ونظل نسأل أنفسنا أين نحن من المعتقد الدينى؟
للأسف ــ عزيزى القارئ ــ الخطاب الدينى ليس له صاحب، إذا تحدثت فى السياسة تجد من يشتبك معك من زاوية المصلحة حكومة أو حزبا أو ساسة، وإذا أفتيت فى أى مجال من مجالات العمل تجد هناك متحدثون باسمه، يحتكرون الحديث، أما الدين فهو للناس جميعا، الكل يتحدث، ويفتى، يخطئ ويصيب.
دعنا نعترف أن الفكر الدينى بحاجة دائمة إلى الإصلاح، وهذا ليس عيبا فى الدين، بل نصرة له حتى لا يلحق به ما يسىء إليه، ويحمل الآخرين على الإساءة إليه.